روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ثُمَّ قَالَ: أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ ثَلَاثًا وَبَسَطَ يَدَهُ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَرَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَكَ قَالَ إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي فَقُلْتُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قُلْتُ أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَرَدْتُ أَنْ آخُذَهُ وَاللَّهِ لَوْلَا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ لَأَصْبَحَ مُوثَقًا بِهَا يَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ"
ما رواه البخاري في صحيحه من حديث حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ قَالَ: باسْمِكَ اللَّهُمَّ أمُوتُ وأَحْيَا، وإذَا اسْتَيْقَظَ مِن مَنَامِهِ قالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أحْيَانَا بَعْدَ ما أمَاتَنَا وإلَيْهِ النُّشُورُ.
إن من الأذكار العظيمة التي كان يواظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم عند النوم وعند الانتباه منه ما رواه البخاري في صحيحه من حديث حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ قَالَ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ أَمُوتُ وَأَحْيَا، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ مَنَامِهِ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ" (1). في لفظ: "إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ" (2) أي: دخل فيه، وفي لفظ آخر: "إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ" (3)، وكلها بمعنى واحد.
وقوله: "بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ"، أي: باسمك يا الله، والباء للاستعانة، والمعنى أنام مستعيناً بك طالباً حفظك، راجياً الوقاية والسلامة والعافية منك، وقوله: "أَمُوتُ وَأَحْيَا" أي: أنا على هذه الحال ذاكراً لاسمك، فبذكر اسمك أحيا ما حييت وعليه أموت، وهفي هذا إشارة إلى أن المسلم لا غنة له عن ذكر ربه طرفة عين عند نومه، وفي يقظته وفي جميع شؤونه، فها هو عند النوم يختم أعماله بذكر الله، وعند الانتباه يكون أول أعماله ذكر الله، ثم هو في جميع أحايينه محافظاً على ذكر الله، فعلى ذكره سبحانه يحيح، وعليه يموت، وعليه يبعث يوم القيامة.
_______________________
(1) صحيح البخاري (رقم: 6324).
(2) صحيح البخاري (رقم: 6312).
(3) صحيح البخاري (رقم: 6314).
وفي قوله: "بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ أَمُوتُ" عند إرادة النوم دلالة على أن النوم يسمى موتاً ويسمى وفاة، وإن كانت الحياة موجودة فيه، ومن ذلك قوله تعالى: {ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَٱلَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ ٱلَّتِى قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ٱلْأُخْرَىٰٓ إِلَىٰٓ أَجَلٍۢ مُّسَمًّى} (1)، ولهذا قال في تمام هذا الحديث عند الاستيقاظ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا" يشير إلى النوم الذي كان عليه الإنسان. والنائم يشبه الميت؛ لأن الحركة فيه تتوقف، والتمييز يذهب، ولهذا كان التكليف عنه مرفوعاً حتى يستيقظ من نومه.
والنوة آية من آيات الله العظيمة الدالة على كمال الخالق سبحانه وعظمته واستحقاقه وحده للعبادة، فهو سبحانه الحي الذي لا يموت، الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، قال الله عز وجل: {وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦ مَنَامُكُم بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبْتِغَآؤُكُم مِّن فَضْلِهِۦٓ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَأّيَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَسْمَعُونَ} (2)، وهو أيضاً من رحمة الله تعالى بعباده حيث جعل لهم وقتاً يستريحون فيه ويستجمون كما قال سبحانه: {وَمِن رَّحْمَتِهِۦ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِۦ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (3).
ومن فوائد النوم العظيمة أنه يذكر الإنسان بالموت الذي هو نهاية كل إنسان ومآل كل حي إلا الحي الذي لا يموت، وفي الاستيقاظ منه دلالة على قدرة الله سبحانه على بعث الأجساد بعد موتها وإحيائها بعد وفاتها ولهذا قال عند الاستيقاظ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ" والنشور هو البعث يوم القيامة والإحياء بعد الإماتة، فنبه بإعادة اليقظة بعد النوم - الذي هو موت كما تقدم - على إثبات
_______________________
(1) سورة: الزمر، الآية (42).
(2) سورة: الروم، الآية (23).
(3) سورة: القصص، الآية (73).
البعث بعد الموت يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين. ولهذا ثبت في الأدب المفرد من حديث البراء ابن عازب قال: كَانَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ خَدِّهِ الأيمن وَيقُول: "اللَّهُمَّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ" (1).
وقوله: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا" فيه حمد الله على هذه اتعمة العظيمة والمنة الجسيمة وهي الإحياء بعد الإماتة أي: الاستيقاظ بعد النوم، ومن المعلوم أن الإنسان حالل نومه يتعطل عن الانتفاع بهذه الحياة والتمكن من أداء العبادات، فإذا استيقظ زال عنه ذلك المانع، فهو يحمد الله جل وعلا على هذا الإنعام ويشكره سبحانه على هذا العطاء والإكرام.
ومن جميل ما يرتبط بهذا المعنى تمام الارتباط ويتفق معه تمام الاتفاق ما خرجه الشيخان البخاري ومسلم من حديث أبي يُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ" (2).
_______________________
(1) الأدب المفرد (رقم: 1215)، وصححه الألباني - رحمه الله - في صحيح الأدب المفرد (رقم: 921).
(2) صحيح البخاري (رقم: 6320) وصحيح مسلم (رقم: 2714).
ومثله كذلك ما رواه مسلم في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَ رَجُلًا إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ قَالَ: "اللَّهُمَّ إِنَّكَ خَلَقْتَ نَفْسِي وَأَنْتَ تَوَفَّاهَا لَكَ مَمَاتُهَا وَمَحْيَاهَا إِنْ أَحْيَيْتَهَا فَاحْفَظْهَا، وَإِنْ أَمَتَّهَا فَاغْفِرْ لَهَا، اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ" فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: سَمِعْتَ هَذَا مِنْ عُمَرَ؟ فَقَالَ: مِنْ خَيْرٍ مِنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" (1).
وفي هذه الأحاديث دلالة واضحة على أن روح الإنسان بيد الله سبحانه، فهو الذي أوجدها من العدم وحلقها بعد أن لم تكن، وهو سبحانه الذي إن شاء أمسكها حال نوم الإنسان فيصبح في عداد الأموات، وإن شاء أرسلها فيبقى الإنسان بذلك على قيد الحياة، ولهذا قال: "لَكَ مَمَاتُهَا وَمَحْيَاهَا" أي: أن ذلك بيدك وتحت تصرفك وتدبيرك، ولا يقدر عليه أحد سواك، فأنت المحيي وأنت المميت، وأنت على كل شيء قدير.
ولهذا شرع للمسلم في هذا المقام أن يسأل ربه الحفظ إن كتب له البقاء والحياة، ويسأله الرحمة والمغفرة إن كتب له الموت، ففي حديث أبي هريرة قَالَ: "إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ" وفي حديث ابن عمر قال: "إِنْ أَحْيَيْتَهَا فَاحْفَظْهَا وَإِنْ أَمَتَّهَا فَاغْفِرْ لَهَا".
وكما ينبغي على المسلم أن يكون عندما يأوي إلى فراشه متذكراً مآله ومصيره، فإنه كذلك ينبغي عليه أن يتذكر نعمة الله عليه فيما مضى من أيامه بالطعام والشراب والمسكن والصحة والعافية، فيحمد الله ويشكره على ذلك.
_______________________
(1) صحيح مسلم (رقم: 2712).
ولهذا ثبت في صحيح مسلم عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ" (1).
وعلى هذا فإن المسلم عندما يأوي إلى فراشه ينبغي أن يكون متذكراً أمرين: ما مضى من أيامه فيحمد الله على ما أمده فيها من الصحة والعافية والمطعم والمشرب والمسكن وغير ذلك، وأن يتذكر ما يستقبل من أوقاته؛ وهو فيها بين أمرين: إما أن تقبض روحه فهو يسأل الله إن كان ذلك المغفرة والرحمة أو أن يُفسح له في أجله فهو يسأل الله في هذه الحال أن يحفظه بما يحفظ به عباده الصالحين.
_______________________
(1) صحيح مسلم (رقم: 2715).
التصنيف | أَذْكَارُ النَّوْمِ وَالاِسْتِيقَاظِ |
المصدر | الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ |
عدد المشاهدات | 0 |