روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ: "كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ"
روى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وغيرهم من حديث أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ" (1)، وهو حديث حسن بشواهده، وقد حسنه غير واحد من أهل العلم، وهو دال على مشروعية التسمية في أول الوضوء.
روى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وغيرهم من حديث أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ" (1)، وهو حديث حسن بشواهده، وقد حسنه غير واحد من أهل العلم، وهو دال على مشروعية التسمية في أول الوضوء.
وقد اختلف العلماء - رحمهم الله - في حكمها، فذهب الجمهور إلى أنها مستحبة، وذهب بعض أهل العلم إلى القول بوجوبها، إذا كان عالماً بالحكم ذاكراً لها، فإن جهل حكمها أو نسيها فلا حرج عليه ولا يلزمه إعادة الوضوء.
وقد سئل الإمام الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - عن حكم من ترك التسمية في الوضوء ناسياً، فقال: "قد ذهب جمهور أهل العلم إلى صحة الوضوء بدون تسمية، وذهب بعض أهل العلم إلى وجوب التسمية مع العلم والذكر، لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ)، لكن من تركها ناسياً أو جاهلاً فوضوءه صحيح، وليس عليه إعادته ولو قلنا بوجوب التسمية؛ لأنه معذور بالجهل والنسيان، والحجة في ذلك قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ} (2)، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه قد استجاب هذا الدعاء، وبذلك تعلم أنك إذا نسيت التسمية في أول الوضوء، ثم ذكرتها في أثنائه فإنك تسمي، وليس عليك أن تعيد أولاً؛
_______________________
(1) المسند (2/ 418)، سنن أبي داود (رقم: 101)، وابن ماجه (رقم: 399)، وحسنه الألباني - رحمه الله - في الإرواء (1/ 122).
(2) سورة: البقرة، الآية (286).
لأنك معذور بالنسيان (1)، اهـ كلامه رحمه الله.
وأما الدعاء على أعضاء الوضوء في أثناء الوضوء، كل عضو بدعاء مخصوص بأن يجعل لغسل اليد دعاء ولغسل الوجه دعاء ولغسل القدم دعاء ونحو ذلك، فهذا لم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس للمسلم أن يعمل بشيء من ذلك، ومن ذلك قول بعضهم عند المضمضة: اللهم اسقني من حوض نبيك كأساً لا أظمأ بعده أبداً، وعند الاستنشاق: اللهم لا تحرمني رائحة نعيمك وجناتك، وعند غسل الوجه: اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وعند غسل اليدين: اللهم أعطني كتابي بيميني، اللهم لا تعطني كتابي بشمالي، وعند مسح الرأس: اللهم حرم شعري وبشري على النار، وعند مسح الأذن: اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وعند غسل الرجلين: اللهم ثبت قدمي على الصراط، فكل ذلك مما لا أصل له عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
والواجب على المسلم الاقتصار على ما جاءت به السنة، والبعد عما أحدثه الناس بعد ذلك، قال ابن القيم رحمه الله: "وأما الأذكار التي يقولها العامة على الوضوء عند كل عضو فلا أصل لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين ولا الأئمة الأربعة، وفيها حديث كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم" ا هـ (2).
_______________________
(1) مجموع فتاواه ومقالاته رحمه الله (7/ 100).
(2) الوابل الصيب (ص: 316).
ويستحب للمسلم أن يقول عقب فراغه من الوضوء: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ؛ لما ثبت في صحيح مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: "كَانَتْ عَلَيْنَا رِعَايَةُ الْإِبِلِ فَجَاءَتْ نَوْبَتِي فَرَوَّحْتُهَا بِعَشِيٍّ فَأَدْرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا يُحَدِّثُ النَّاسَ فَأَدْرَكْتُ مِنْ قَوْلِهِ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ قَالَ فَقُلْتُ مَا أَجْوَدَ هَذِهِ فَإِذَا قَائِلٌ بَيْنَ يَدَيَّ يَقُولُ الَّتِي قَبْلَهَا أَجْوَدُ فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ قَالَ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ جِئْتَ آنِفًا قَالَ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبِغُ الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ" (1).
ورواه الترمذي وزاد: "اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ" (2)، وهي زيادة ثابتة كما بين أهل العلم.
وفي هذا الحديث يذكر عقبة بن عامر رضي الله عنه حرص الصحابة رضي الله عنهم على أوقاتهم وتعاونهم بينهم التعاون الذي يحقق الفائدة للجميع ومن ذلك أنهم كانوا يتناوبون رعي إبلهم، فيجتمع الجماعة ويضمون إبلهم بعضها إلى بعض، فيرعاها كل يوم واحد منهم، ليكون ذلك أرفق بهم، ولينصرف الباقون في مصالحهم وحاجاتهم، وليتهيأ لهم فرصة أكبر للاستفادة من النبي صلى الله عليه وسلم وحضور مجالسه، ولما كانت نوبة عقبة رضي الله عنه، وعندما عاد بالإبل إلى مراحها في آخر النهار وفرغ من أمرها، جاء إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدرك شيئاً من فوائده ولينهل من معينه المبارك، فأدرك فائدة عظيمة فرح بها وهي قول النبي صلى الله عليه وسلم:
_______________________
(1) صحيح مسلم (رقم: 234).
(2) سنن الترمذي (رقم: 55)، وصححه الألباني - رحمه الله - في صحيح الترمذي (رقم: 48).
"مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلًا عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ"، فقال رضي الله عنه مبدياً إعجابه بهذه الفائدة العظيمة: "ما أجود هذه"، فسمعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان قد رآه حين دخل، فقال له: "التي قبلها أجود" يشير إلى فائدة قالها النبي صلى الله عليه وسلم قبل دخول عقبة رضي الله عنه، وفي هذا دلالة على ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من الحرص على الخير والتعاون في الدلالة على أبواب العلم وأمور الإيمان، فذكر له عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُسْبِغُ - الْوُضُوءَ، ثُمَّ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ".
وفي هذا فضل إسباغ الوضوء بإكماله وإتمامه على الوجه المسنون، وفضل المحافظة على هذا الذكر العظيم عقب الوضوء، وأن من فعل ذلك فتحت له أبواب الجنة الثمانية ليدخل من أيها شاء.
ويُستخب أن يضم إليه: "اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ"؛ لثبوت هذه الزيادة عند الترمذي كما تقدم، وله أن يقول كذلك: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ"؛ لما رواه النسائي في عمل اليوم والليلة والحاكم في مستدركه وغيرهم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ ثم قال: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ"، كتب في رق ثم طبع بطابع، فلم يكسر يوم القيامة" (1)، والطابع: الخاتم، يريد أنه يختم عليه، ولا يفتح إلى يوم القيامة.
_______________________
(1) المستدرك (1/ 564)، وصححه الألباني - رحمه الله - في السلسلة الصحيحة (رقم: 2333).
فهذا جملة ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الذكر المتعلق بالوضوء، قال ابن القيم رحمه الله: "ولم يحفظ عنه [أي رسول الله] أنه كان يقول على وضوئه شيئاً غير التسمية، وكل حديث في أذكار الوضوء الذي يقال عليه فكذب مختلق لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً منه" (1)، ثم استثنى رحمه الله حديث التسمية وحديثي عمر وأبي سعيد المتقدمين.
والله وحده الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
_______________________
(1) زاد المعاد (1/ 195).
التصنيف | أذكار الوضوء |
المصدر | الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ |
عدد المشاهدات | 0 |