عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ اللَّهِ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا وَلَا يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ" (1).
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "والجميع مشتركون في الحاجة بل في الضرورة إلى مغفرة الله وعفوه ورحمته، فكما يحب [أي المسلم] أن يستغفر له أخوه المسلم، كذلك هو أيضاً ينبغي أن يستغفر لأخيه المسلم، فيصير هجيراه: رب اغفر لي ولوالدي وللمسلمين والمسلمات وللمؤمنين والمؤمنات
تقدم بيان أهمية دعاء المسلم لغيره من إخوانه المسلمين بالمغفرة والتوفيق والهداية والسداد ونحو ذلك، وتقدم الإشارة إلى أن حاجة الجميع إلى ذلك مشتركة، فكما أن المسلم بحاجة إلى دعوات إخوانه المسلمين، فكذلك إخوانه المسلمون بحاجة إلى ذلك، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "والجميع مشتركون في الحاجة بل في الضرورة إلى مغفرة الله وعفوه ورحمته، فكما يحب [أي المسلم] أن يستغفر له أخوه المسلم، كذلك هو أيضاً ينبغي أن يستغفر لأخيه المسلم، فيصير هجيراه: رب اغفر لي ولوالدي وللمسلمين والمسلمات وللمؤمنين والمؤمنات، وقد كان بعض السلف يستحب لكل أحد أن يداوم على هذا الدعاء كل يوم سبعين مرة، فيجعل له منه ورداً لا يُخل به.
وسمعت شيخنا - أي ابن تيمية - يذكره، وذكره فيه فضلاً عظيماً لا أحفظه، وربما كان من جملة أوراده التي لا يخل بها، وسمعته يقول: إن جعله بين السجدتين جائز، فإذا شهد العبد أن إخوانه مصابون بمثل ما أصيب به، محتاجون إلى ما هو محتاج إليه لم يمتنع من مساعدتهم إلا لفرط جهله بمغفرة الله وفضله، وحقيق بهذا أن لا يساعد، فإن الجزاء من جنس العمل" (1).
_______________________
(1) مفتاح دار السعادة (2/ 298).
ومن الأجور الواردة في هذا الدعاء العظيم ما ثبت في المعجم الكبير للطبراني بإسناد حسن عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: "من استغفر للمؤمنين والمؤمنات، كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة" (1).فتأمل - رحمك الله - عظم هذا الأجر المترتب على هذا الدعاء وكثرته، فالمسلم عندما يقول في دعائه: اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، يكون له بكل واحد من المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات المتقدمين منهم والمتأخرين حسن، فهي حسنات لا تُحصى، فأعداد المسلمين المتقدمين والمتأخرين لا يُحصيهم إلا الله جل وعلا، ولهذا كان هذا الدعاء العظيم في جملة أدعية النبيين، وأمر الله به خاتمهم محمداً صلى الله عليه وسلم، وذكره في جملة ما امتدح به عباده المؤمنين، قال الله تعالى إخباراً عن نوح عليه السلام: {رَّبِّ ٱغْفِرْ لِى وَلِوَٰلِدَىَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِىَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ} (2)، وقال تعالى إخباراً عن إبراهيم عليه السلام: {رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِى وَلِوَٰلِدَىَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ} (3)، وقال تعالى آمراً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم: {فَٱعْلَمْ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنۢبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ} (4)، وقال تعالى عن عباده المؤمنين الذين جاؤوا من
_______________________
(1) مجمع الزوائد (10/ 210)، وصحيح الجامع (رقم: 5906)، وانظر تعليق الشوكاني على هذا الحديث في تحفة الذاكرين (ص: 320).
(2) سورة نوح، الآية: (28).
(3) سورة إبراهيم، الآية: (41).
(4) سورة محمد، الآية: (19).بعد الصحابة {وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلْإِيمَٰنِ} (1).
وكل ذلك دال على عظم شأن هذا الدعاء، وجلالة قدره، وكثرة ثوابه عند الله، ولهذا كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يعظم شأن هذا الدعاء، وكان من جملة أوراده التي لا يخل بها، كما سبق نقل ذلك عن الإمام ابن القيم رحمه الله.
وقد روى عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: استغفر للمؤمنين والمؤمنات؟ قال: نعم، قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فإن ذلك الواجب على الناس، قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنۢبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ}، قلت: أفتدع ذلك في المكتوبة أبداً؟ قال: لا، قلت: فيمن تبدأ بنفسك أم بالمؤمنين؟ قال: بل بنفسي، كما قال الله {وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنۢبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ}" (2).
وروى البيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن المبارك رحمه الله: "أنه كان إذا ختم القرآن أكثر دعاءه للمؤمنين والمؤمنات" (3).
_______________________
(1) سورة الحشر، الآية: (10).
(2) مصنف عبد الرزاق (2/ 217).
(3) شعب الإيمان (2/ 411).قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فالأمر الذي كان معروفاً بين المسلمين في القرون المفضلة أنهم كانوا يعبدون الله بأنواع العبادات المشروعة فرضها ونفلها من الصلاة والصيام والقراءة والذكر وغير ذلك، وكانوا يدعون للمؤمنين والمؤمنات كما أمر الله بذلك لأحيائهم وأمواتهم في صلاة الجنازة وعند زيارة القبور وغير ذلك، وروي عن طائفة من السلف: عند كل ختمة دعوة مستجابة، فإذا دعا الرجل عقيب الختم لنفسه ولوالديه ولمشايخه وغيرهم من المؤمنين والمؤمنات كان هذا من جنس المشروع، وكذلك دعاؤه لهم في قيام الليل وغير ذلك من مواطن الإجابة" (1).
ثم إن دعوة المسلم لأخيه أو إخوانه المسلمين بظهر الغيب مستجابة، بل إن الله جل وعلا وكل ملكاً عند رأس الداعي كلما دعا لأخيه بخير قال الملك: "آمين ولك بمثله".
روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ وَلَكَ بِمِثْلٍ" (2)، وفي رواية أخرى في صحيح مسلم عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلِهِ" (3).
_______________________
(1) مجموع الفتاوى (24/ 322).
(2) صحيح مسلم (رقم: 2732).
(3) صحيح مسلم (رقم: 2732)
قال النووي رحمه الله في شرحه لهذا الحديث: "وفي هذا فضل الدعاء لأخيه المسلم بظهر الغيب، ولو دعا لجماعة من المسلمين حصلت هذه الفضيلة، ولو دعا لجملة المسلمين فالظاهر حصولها أيضاً، وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعو لأخيه المسلم بتلك الدعوة؛ لأنها تستجاب ويحصل له مثلها" (1).إن جميع ما تقدم فيه أبلغ دلالة على أهمية الدعاء للمسلمين بالمغفرة والرحمة ونحو ذلك، فحري بكل مسلم أن يكثر من الدعاء لإخوانه لينال تلك الأجور الكريمة والفضائل العظيمة، ومن لطيف ما يستأنس به في هذا المقام ما رواه أبو نعيم في حلية الأولياء عن أحمد بن الضحاك الخشاب قال: "رأيت فيما يرى النائم شريح بن يونس، فقلت: ما فعل بك ربك يا أبا الحارث؟ قال: غفر لي، ومع ذلك جعل قصري إلى جنب قصر محمد بن بشير بن عطاء الكندي، فقلت: يا أبا الحارث أنت عندنا أكثر من محمد بن بشير، فقال: لا تقل ذاك، فإن الله تعالى جعل لمحمد بن بشير حظاً في عمل كل مؤمن ومؤمنة؛ لأنه كان إذا دعا قال: اللهم اغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات" .
فنسأل الله الكريم أن يغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
_______________________
(1) شرح صحيح مسلم (17/ 49).
(2) حلية الأولياء (10/ 113).
التصنيف | الاستغفار للمسلمين |
المصدر | الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ |
عدد المشاهدات | 0 |