التصنيفات

قوله تعالى فيما حكاه عن نبيه إبراهيم عليه السلام: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّى عَسَىٰٓ أَلَّآ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّى شَقِيًّا  فَلَمَّا ٱعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبْنَا لَهُۥٓ إِسْحَٰقَ وَيَعْقُوبَ ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا} 

الدعاء شأنه في الإسلام عظيم، ومكانته فيه سامية، منزلته منه عالية، إذ هو أجل العبادات وأعظم الطاعات وأنفع القربات، ولهذا جاءت النصوص الكثيرة في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المبينة لفضله والمنوهة مكانته وعظم شأنه، والمرغبة فيه والحاثة عليه، وقد تنوعت دلالات هذه النصوص المبينة لفضل الدعاء فجاء في بعضها الأمر به والحث عليه، وفي بعضها التحذير من تركه والاستكبار عنه، وفي بعضها ذكر عظم ثوابه وكبر أجره عند الله، وفي بعضها مدح المؤمنين لقيامهم به، والثناء عليهم بتكميله، وغير ذلك من أنواع الدلالات في القرآن الكريم على عظم فضل الدعاء.

بل إن الله سبحانه قد افتتح كتابه الكريم بالدعاء واختتمه به، فسورة "الحمد" التي هي فاتحة القرآن الكريم مشتملة على دعاء الله بأجل المطالب وأكمل المقاصد، ألا وهو سؤال الله عز وجل الهداية إلى الصراط المستقيم والإعانة على عبادته، والقيام بطاعته سبحانه، وذلك بالاستعاذة به سبحانه من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس، وما من ريب أن افتتاح القرآن الكريم بالدعاء واختتامه به دليل على عظم شأن الدعاء وأنه روح العبادات ولبها.

بل إن الله جل وعلا سمى الدعاء في القرآن عبادة في أكثر من آية، مما يدل على عظم مكانته كقوله سبحانه:

{وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدْعُونِىٓ أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (1)

كقوله فيما حكاه عن نبيه إبراهيم عليه السلام: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّى عَسَىٰٓ أَلَّآ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّى شَقِيًّا  فَلَمَّا ٱعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبْنَا لَهُۥٓ إِسْحَٰقَ وَيَعْقُوبَ ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا} (2)

ونحوها من الآيات، وسمى سبحانه الدعاء دينا كما في قوله: {فَٱدْعُوا ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ} (3)

ونحوها من الآيات.

وهذا كله يبين لنا عظم شأن الدعاء، وأنه أساس العبودية وروحها وعنوا التذلل والخضوع والانكسار بين يدي الرب، وإظهار الافتقار إليه، ولهذا حث الله عباده عليه، ورغبهم فيه في آي كثيرة من القرآن الكريم ويقول الله تعالى:

{ٱدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِى ٱلْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَٰحِهَا وَٱدْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ} (4)

وقال تعالى: {هُوَ ٱلْحَىُّ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ ۗ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ} (5) 

_______________________
(1) سورة غافر: الآية (60).
(2) سورة مريم: الآيتان: (48- 49).
(3) سورة غافر: الآية: (14).
(4) سورة الأعراف، الآيتان: (55-56).
(5) سورة غافر: الآية: (65).

وأخبر سبحانه - مرغباً عباده في الدعاء - بأنه قريب منهم يجيب دعاءهم، ويحقق رجاءهم، ويعطيهم سؤلهم، قال تعالى:

{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِى وَلْيُؤْمِنُوا بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (1)

وقال تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلْأَرْضِ ۗ أَءِلَٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} (2)

ولهذا فإن العبد كلما عظمت معرفته بالله وقويت صلته به كان دعاؤه له أعظم وانكساره بين يديه أشد، ولهذا كان أنبياء الله ورسله أعظم الناس تحقيقاً للدعاء وقياماً به في أحوالهم كلها وشؤونهم جميعاً، وقد أثنى الله عليهم بذلك في القرآن الكريم، وذكر جملة من أدعيتهم في أحوال متعددة ومناسبات متنوعة، قال تعالى في وصفهم:

{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَٰرِعُونَ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَٰشِعِينَ} (3)

ومن أدعية الأنبياء ما ذكره الله عن نبيه إبراهيم عليه السلام حيث قال:

{ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى وَهَبَ لِى عَلَى ٱلْكِبَرِ إِسْمَٰعِيلَ وَإِسْحَٰقَ ۚ إِنَّ رَبِّى لَسَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ رَبِّ ٱجْعَلْنِى مُقِيمَ ٱلصَّلَوٰةِ وَمِن ذُرِّيَّتِى ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِى وَلِوَٰلِدَىَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ} (4)

_______________________
(1) سورة البقرة الآية: (186).
(2) سورة النمل، الآية: (62).
(3) سورة الأنبياء، الآية: (90)
(4) سورة إبراهيم، الآيات: (39- 41).

وذكر سبحانه دعاء نبيه نوح عليه السلام عندما سأل ربه أن ينصره على قومه الذين كذبوه وعادوه، فقال سبحانه:

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍۢ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَٱزْدُجِرَ فَدَعَا رَبَّهُۥٓ أَنِّى مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ فَفَتَحْنَآ أَبْوَٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَآءٍۢ مُّنْهَمِرٍۢ وَفَجَّرْنَا ٱلْأَرْضَ عُيُونًا فَٱلْتَقَى ٱلْمَآءُ عَلَىٰٓ أَمْرٍۢ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَٰهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَٰحٍۢ وَدُسُرٍۢ تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ} (1)

وذكر سبحانه دعاء نبيه أيوب عليه السلام عندما مسه الضر فقال سبحانه:

{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّى مَسَّنِىَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُۥ فَكَشَفْنَا مَا بِهِۦ مِن ضُرٍّۢ ۖ وَءَاتَيْنَٰهُ أَهْلَهُۥ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَٰبِدِينَ} (2)

وذكر دعاء نبيه يونس عليه السلام عندما التقمه الحوت فدعا ربه وهو في جوف الحوت في قعر البحر، واستجاب الله دعاءه فقال سبحانه:

{وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِى ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبْحَٰنَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُۥ وَنَجَّيْنَٰهُ مِنَ ٱلْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُۨجِى ٱلْمُؤْمِنِينَ} (3)

وهكذا.

من يتأمل القرآن الكريم يجد فيه أدعية الأنبياء وسؤالهم ربهم وأطراحهم بين يديه في جميع   أحوالهم - عليهم صلوات الله وسلامه - شيئاً كثيراً.
_______________________
(1) سورة القمر، الآيات: (9- 14).
(2) سورة الأنبياء، الآيتان: (83- 84).
(3) سورة الأنبياء، الآيتان: (87- 88).

وكما أنه سبحانه وصف الأنبياء بالدعاء ونعتهم به، وأثنى عليهم بتحقيقه، فقد وصف بذلك سبحانه المؤمنين الصادقين وعباد الله الصالحين قال تعالى:

{تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍۢ جَزَآءًۢ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1)

وقال تعالى: {وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥ} (2)

وقال سبحانه في وصف أهل الجنة عندما يدخلونها بسلام آمنين: { تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلْأَنْهَٰرُ فِى جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ  دَعْوَٰهُمْ فِيهَا سُبْحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَٰمٌ ۚ وَءَاخِرُ دَعْوَٰهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ} (3)

فالدعاء هو روح هذا الدين، وزاد المؤمنين المتقين، وعنوان التذلل والخضوع لرب العالمين، جعلنا الله وإياكم من أهله المحققين له، إنه سميع مجيب.

_______________________
(1) سورة السجدة، الآيتان: (16-17).
(2) سورة الكهف، الآية: (28).
(3) سورة يونس، الآيتان (9-10).

التصنيف فضل الدعاء
المصدر الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ
عدد المشاهدات 0