التصنيفات

عن النبي صلى الله عليه وسلم: "فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم نحو مائة حديث فيه رفع يديه في الدعاء، وقد جمعتها في جزء، لكنها في قضايا مختلفة، فكل قضية منها لم تتواتر، والقدر المشترك فيه هو الرفع عند الدعاء تواتر باعتبار المجموع" (1).

إن من آداب الدعاء العظيمة رفع اليدين في الدعاء إلى الله عز وجل؛ لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة عدها بعض أهل العلم في جملة ما تواتر فيه النقل عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، قال السيوطي في شرحه لتقريب الإمام النووي رحمهما الله ممثلاً لما تواتر معناه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم نحو مائة حديث فيه رفع يديه في الدعاء، وقد جمعتها في جزء، لكنها في قضايا مختلفة، فكل قضية منها لم تتواتر، والقدر المشترك فيه هو الرفع عند الدعاء تواتر باعتبار المجموع" (1).

وعقد الإمام البخاري رحمه الله في كتابه الصحيح في كتاب الدعوات منه باباً بعنوان: رفع الأيدي في الدعاء، وأورد تحته عن أبي موسى الأشعري قال: "دعا النبي صلى الله عليه وسلم ثم رفع يديه، ورأيت بياض إبطيه" (4).

وقد أشار شارح الصحيح الحافظ ابن حجر رحمه الله إلى كثرة الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى، وذكر جملة من الأحاديث في ذلك، منها:
_______________________
(1) تدريب الراوي (2/ 180).
(2) صحيح البخاري (7/ 198) تعليقاً.
(3) صحيح البخاري (7/ 198) تعليقاً.
(4) صحيح البخاري (رقم: 6341).

حديث أَبي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "قَدِمَ الطُّفَيْلُ بن عمرو عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ دَوْسًا عصَتْ فادع الله عليها، فاستقبل القبلة ورفع يديه، فَقَالَ اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا"، أخرجه الإمام البخاري في الأدب المفرد، وهو في الصحيحين دون قوله: "ورفع يديه" (1).

ومنها: حديث جابر بن عبدالله: "أن الطفيل بن عمرو هاجر. . ."، وذكر قصة الرجل الذي هاجر معه، وفيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم وليديه فاغفر، ورفع يديه"، قال الحافظ: "وسنده صحيح، وأخرجه مسلم" (2).

وحديث عائشة: "أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يدعو رافعا يديه يقول: "اللهم إنما أنا بشر. "، الحديث (3)، قال الحافظ: "وهو صحيح الإسناد".

قال الحافظ: "ومن الأحاديث الصحيحة في ذلك ما أخرجه المصنف [أي البخاري] في جزء رفع اليدين: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم رافعاً يديه يدعو لعثمان" (4)، ولمسلم من حديث عبدالرحمن بن سمرة في قصة الكسوف: "فانتهت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو رافع يديه يدعو" (5)، وعنده في حديث عائشة في الكسوف أيضاً "ثم رفع يديه يدعو" (6)،
_______________________
(1) الأدب المفرد (رقم: 611)، وانظر: صحيح البخاري (رقم: 2937).
(2) الأدب المفرد (رقم: 614)، وهو في صحيح مسلم (رقم: 116)، دون قوله: "ورفع يديه".
(3) الأدب المفرد (رقم: 613).
(4) رفع اليدين (رقم: 157).
(5) صحيح مسلم (رقم: 913).
(6) صحيح مسلم (رقم: 901).

وفي حديثها عنده في دعائه لأهل البقيع: "فرفع يديه ثلاث مرات"، الحديث (1)، ومن حديث أبي هريرة الطويل في فتح مكة: "فرفع يديه وجعل يدعو" (2)، وفي الصحيحين من حديث أبي حميد في قصة ابن اللتبية: "ثم رفع يديه حتى رأيت عفرة إبطيه يقول: اللهم هل بلغت" (3)، ومن حديث عبدالله بن عمرو: "أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قول إبراهيم وعيسى فرفع يديه وقال: "اللهم أمتى" (4)، وفي حديث عمر: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل، فأنزل الله عليه يوماً ثم سري عنه فاستقبل القبلة ورفع يديه ودعا"، والحديث أخرجه الترمذي واللفظ له، والنسائي والحاكم (5)، وفي حديث أسامة: "كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فرفع يديه يدعو، فمالت به ناقته فسقط خطامها فتناوله بيده وهو رافع اليد الأخرى"، أخرجه النسائي بسند جيد (6)، وفي حديث قيس بن سعد عند أبي داود: "ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وهو يقول: 
_______________________
(1) صحيح مسلم (رقم: 974).
(2) صحيح مسلم (رقم: 1780).
(3) صحيح البخاري (رقم: 2597)، وصحيح مسلم (رقم: 1832).
(4) صحيح مسلم (رقم: 202).
(5) سنن الترمذي (رقم: 3173)، والنسائي في الكبرى (رقم: 1439)، والمستدرك (2/ 392). وقال النسائي: "هذا حديث منكر، لا نعلم أحداً رواه غير يونس بن سليم، ويونس بن سليم لا نعرفه، والله أعلم".
(6) السنن الكبرى (رقم: 4007)، والصغري (5/ 254).

اللهم صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة"، الحديث، وسنده جيد (1)، والأحاديث في ذلك كثيرة". ا هـ كلام الحافظ رحمه الله (2)، وقد تقصي فيه جملة مباركة من أحاديث رفع الأيدي في الدعاء.

ومن الأحاديث الثابتة في ذلك ما رواه الترمذي وأبو داود وغيرهما عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا" (3).

فهذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل على أن من آداب الدعاء العظيمة رفع اليدين إلى الله، وأن ذلك من أسباب إجابة الدعاء وقبوله، ودلت السنة أيضاً أن لرفع اليدين في الدعاء صفات ثلاث ترجع إلى نوع الدعاء، فإذا كان ابتهالاً، وهو شدة المبالغة في الطلب فلرفع اليدين فيه صفة، وإذا كان دعاء ومسألة فللرفع فيه صفة، وإذا كان استغفاراً أو توحيداً وتمجيداً فللرفع فيه صفة، يوضح ذلك ويبينه ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً وموقوفاً: "الْمَسْأَلَةُ أَنْ تَرْفَعَ يَدَيْكَ حَذْوَ مَنْكِبَيْكَ أَوْ نَحْوَهُمَا وَالِاسْتِغْفَارُ أَنْ تُشِيرَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ وَالِابْتِهَالُ أَنْ تَمُدَّ يَدَيْكَ جَمِيعًا" وفي لفظ: "هَكَذَا الإخلاص يشير بإصبعه التي تلي الإبهام، وهذا الدعاء فرفع يديه، حذو منكبيه، وهذا الابتهال، فرَفَعَ يَدَيْهِ مدا"،
_______________________
(1) سنن أبي داود (رقم: 5185)، وذكره العلامة الألباني رحمه الله في ضعيف سنن أبي داود (رقم: 1111).
(2) فتح الباري (11/ 142).
(3) سنن أبي داود (رقم: 1488)، وسنن الترمذي (رقم: 3559)، وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (رقم: 1753).

رواه أبو داود في سننه والطبراني في الدعاء وغيرهما (1).

قال الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد حفظه الله معلقاً على هذا الحديث: "وقد جاءت الأحاديث من فعل النبي صلى الله عليه وسلم مبيتة مقام كل حالة من هذه الصفات الثلاث، لا أنها من اختلاف التنوع، وبيانها كالآتي:

المقام الأول: مقام الدعاء العام ويسمى المسألة، ويقال: الدعاء، وهو رفع اليدين إلى المنكبين أو نحوهما ضاماً لهما باسطاً لبطونهما نحو السماء، وظهورهما إلى الأرض، وإن شاء قنع بهما وجهه وظهورهما نحو القبلة، وهذه هي الصفة العامة لرفع اليدين حال الدعاء مطلقاً وفي قنوت الوتر والاستسقاء أو في مواطن رفعهما الستة في الحج [أي في عرفة، والمشعر الحرام، وبعد رمي الجمرتين الصغرى والوسطى، وعلى الصفا والمروة]، وغير ذلك.

المقام الثاني: الاستغفار، ويقال: الإخلاص، وهو رفع أصبع واحدة وهي السبابة من اليد اليمنى، وهذه الصفة خاصة بمقام الذكر والدعاء حال الخطبة على المنبر وحال التشهد في الصلاة، وحال الذكر والتمجيد والهيللة خارج الصلاة. . .
_______________________
(1) سنن أبي داود (رقم: 1489)، (1490)، والدعاء للطبراني (208)، وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (رقم: 1321، 1322، 1324) موقوفاً ومرفوعاً.

المقام الثالث: الابتهال، وهو التضرع والمبالغة في المسألة، ويسمى أيضاً دعاء الرهب، وصفته رفع اليدين مدا نحو السماء حتى ترى عفرة إبطيه أي بياضهما، ويقال في وصفه حتى يبدو عضداه، أي يرتفعان من المبالغة في الرفع، وهذه الصفة أخص من الصفتين السابقتين في المقام الأول والثاني،  وهي خاصة في حال الشدة والرهبة كحال الجدب، والنازلة بتسلط العدو، ونحو ذلك من مقامات الرهب" اهـ (1).

فهذه أحوال الرفع في الدعاء، وهي أحوال ثلاثة بحسب نوع الدعاء، وللموضوع صلة، والله الموفق.
_______________________
(1) تصحيح الدعاء (ص: 116- 117).

التصنيف جملة من آداب الدعاء
المصدر الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ
عدد المشاهدات 0