عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ قَالَ "اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا" (1).
يقول الإمام أبو بكر محمد إسحاق بن خزيمة في كتاب التوحيد: "وكما هو مفهوم في فطر المسلمين علماؤهم وجهالهم، وأحرارهم ومماليكهم، وذكرانهم وإناثهم، بالغيهم وأطفالهم، كل من دعا الله - جل وعلا - فإنما يرفع رأسه إلى السماء ويمد يديه إلى الله تعالى إلى أعلاه لا إلى الأسفل" (1).
لقد كان الحديث فيما مضى عن دلالات رفع الأيدي في الدعاء إلى الله وما يتضمنه ذلك من الإقرار بتوحيد الله وتعظيمه، والإيمان بعلوه على خلقه، وغناه الكامل عنهم، وافتقارهم إليه من جميع الوجوه، وقد مضى الإشارة إلى أن هذا أمر - أعني الإيمان بعلوه - يجده الناس في فطرهم صغيرهم وكبيرهم، عالمهم وجاهلهم.
يقول الإمام أبو بكر محمد إسحاق بن خزيمة في كتاب التوحيد: "وكما هو مفهوم في فطر المسلمين علماؤهم وجهالهم، وأحرارهم ومماليكهم، وذكرانهم وإناثهم، بالغيهم وأطفالهم، كل من دعا الله - جل وعلا - فإنما يرفع رأسه إلى السماء ويمد يديه إلى الله تعالى إلى أعلاه لا إلى الأسفل" (1).
ويقول الإمام أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة رحمه الله: "ولو أن هؤلاء - أي من ينكرون علو الله - رجعوا إلى فطرهم وما ركبت عليه خلقتهم من معرفة الخالق سبحانه، لعلموا أن الله تعالى هو العلي وهو الأعلى، والأيدي ترفع بالدعاء إليه، والأمم كلها عربها وعجمها تقول إن الله في السماء ما تركت على فطرها" (2). ا هـ.
_______________________
(1) التوحيد لابن خزيمة (1/ 254).
(2) تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (ص: 183) باختصار.فالإيمان بعلو الله على خلقه مستقر في الفطر السليمة، ثابت في نصوص الكتاب والسنة، متقرر في العقول القويمة، مجمع عليه بين علماء الأمة، ولذا كان توجه الناس عند الدعاء بقلوبهم وإشارتهم ورفع أيديهم إنما يكون إلى العلو لا إلى جهة أخرى، وهذا أمر فطري ضروري عقلي، يجده كل داع في قلبه، فالقلب عند التوجه والسؤال والدعاء والابتهال والمناجاة له وجهة واحدة يقصدها ويتجه إليها هي إلى الله عز وجل في علوه، لا يتجه إلى يمين أو شمال أو أسفل أو نحو ذلك، وإنما يتجه إلى العلو، وهذا أمر ضروري لا ينفك منه القلب إلا إذا فسد وانتكس وأظلم وتحول عن الفطرة.
ولهذا ترى في أحوال الداعين والذاكرين أنه يحصل من بعضهم حركة في جوارحهم اضطراراً إلى فوق إلى جهة العلو، وذلك تبعاً لحركة قلوبهم بالإشارة أو الإصبع أو العين أو الرأس أو غير ذلك من الإشارات الحسية، وهذا أمر قد تواترت به السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم واتفق عليه والمسلمون، ولذا تراهم يقولون بألسنتهم ارفعوا أيديكم إلى الله ونحو ذلك من العبارات، وهذا إخبار منهم عن أنفسهم أنهم يقصدون الإشارة إلى الله ورفع الأيدي إليه سبحانه وتعالى.
وقد تواتر من هدي النبي صلى الله عليه وسلم رفع الأيدي إلى الله في الدعاء، والإشارة بالسبابة من اليد اليمني يدعو بها في خطبة الجمعة وفي التشهد في الصلاة، ورفع البصر إلى السماء، والإشارة بالإصبع إلى السماء ونحو ذلك.
أما رفعه يديه في الدعاء فهو ثابت في أحاديث كثيرة جداً، وقد مضى معنا ذكر جملة منها.
وأما إشارته بالسبابة من اليد اليمنى يدعو بها في خطبة الجمعة فهو ثابت فيما رواه حصين بن عبدالرحمن قال: "رأى عمارة بن رؤيبة بشر بن مروان وهو يدعو في يوم الجمعة فقال عمارة: قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ما يزيد على هذه - يعني السبابة - "، وفي رواية "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يخطب إذا دعا يقول هكذا فرفع السبابة وحدها" (1).
وأما إشارته بالسبابة من اليد اليمنى يدعو بها في التشهد فثابت فيما رواه ابن عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كَانَ إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رُكْبَتِهِ وَرَفَعَ إِصْبَعَهُ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ الْيُمْنَى يَدْعُو بِهَا وَيَدُهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ بَاسِطَهَا عَلَيْهِ"، وفي رواية " كَانَ إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى"، رواهما مسلم، وأحمد وغيرهما (2). وفي الباب أحاديث عديدة.
وأما رفعه بصره إلى السماء فيقول الله تعالى: {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى ٱلسَّمَآءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَىٰهَا ۚ} (3)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "كان أول ما نسخ من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود، فأمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهراً، وكان يحب قبلة إبراهيم، فكان" يدعو إلى الله وينظر إلى السماء، فأنزل الله: {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى ٱلسَّمَآءِ ۖ } إلى آخر الآية.
_______________________
(1) صحيح مسلم (رقم: 874)، والمسند (4/ 136)، وسنن أبي داود (رقم: 1105).
(2) صحيح مسلم (رقم: 580)، والمسند (2/ 65)، وسنن النسائي (3/ 36).
(3) سورة البقرة، الآية: (144).
وفي صحيح البخاري عن عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالُوا يَوْمٌ حَرَامٌ قَالَ فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ قَالَ فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ قَالَ فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فَأَعَادَهَا مِرَارًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ" (1).وأما إشارته بإصبعه إلى السماء فقد ثبت في حديث جابر بن عبد الله في ذكر حجة الوداع، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم عرفة: أهلا هل بلغت؟ فقالوا: نعم، فجعل يرفع إصبعه إلى السماء وينكتها إليهم ويقول: اللهم اشهد - ثلاث مرات-"، أخرجه مسلم في صحيحه (2).
والنصوص في هذا المعنى العظيم كثيرة، وهي دالة دلالة ظاهرة على علو الله جل وعلا وفوقيته، وأنه تبارك وتعالى الكبير المتعال، ولهذا تقصده القلوب، وتصمد إليه الخلائق، ويرفعون أكفهم إليه عند دعائهم وسؤالهم، ويشيرون إليه في علوه بأصابعهم موحدين له مقرين بعظمته، خلافاً للمنكرين لعلو الله من أهل الضلال والباطل، فإن هؤلاء في الحقيقة ينكرون حقيقة كونه أحداً صمداً، ويجحدون حقيقة دعائه وصدق التوجه إليه ويسوغون الإشراك به، ويعطلون صفات كماله، والله المستعان، وهو الهادي وحده إلى سواء السبيل.
_______________________
(1) صحيح البخاري (رقم: 1739).
(2) صحيح مسلم (رقم: 1218).
التصنيف | رفع الأيدي إلى الله من دلائل علوه |
المصدر | الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ |
عدد المشاهدات | 0 |