عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها؛ قَالَتْ: كَانَ إِذَا اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَاهُ جِبْرِيلُ قَالَ: "بِاسْمِ اللَّهِ يُبْرِيكَ وَمِنْ كُلِّ دَاءٍ يَشْفِيكَ، وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ، وَشَرِّ كُلِّ ذِي عَيْنٍ" (2).
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ وَبَعْضُهَا أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ فَإِذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَيُّهَا النَّاسُ فَاسْأَلُوهُ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ لِعَبْدٍ دَعَاهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ غَافِلٍ" (1)
إن الدعاء من أقوى الأسباب التي تُجلب بها الأمور المحبوبة، وتدفع بها الأمور المكروهة، لكنه قد يتخلف أثره وتضعف فائدته، وربما تنعدم لأسباب منها: إما ضعف في نفس الدعاء، بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وقت الدعاء، وإما لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام، ورين الذنوب على القلوب، واستيلاء الغفلة والسهو واللهو وغلبتها عليها؛ إذ إن هذه الأمور تُبطل الدعاء، وتُضعف من شأنه.
ولهذا فإن من الضوابط المهمة والشروط العظيمة التي لا بد من توفرها في الدعاء حضور قلب الداعي وعدم غفلته؛ لأنه إذا دعا بقلب غافل لاه ضعفت قوة دعائه، وضعف أثره، وأصبح شأن الدعاء فيه بمنزلة القوس الرخو جداً، فإنه إذا كان كذلك خرج منه السهم خروجاً ضعيفاً، فيضعف بذلك أثره، ولهذا فإنه قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم الحث على حضور القلب في الدعاء، والتحذير من الغفلة، والإخبار بأن عدم ذلك مانع من موانع قبوله.
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ وَبَعْضُهَا أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ فَإِذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَيُّهَا النَّاسُ فَاسْأَلُوهُ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ لِعَبْدٍ دَعَاهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ غَافِلٍ" (1)،
_______________________
(1) المسند (2/ 177).وإسناده ضعيف؛ لأن فيه عبد الله بن لهيعة سيء الحفظ، وباقي رجاله ثقات، إلا أن له شاهداً يتقوى به عند الإمام الترمذي في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (1).
ومعنى الحديث صحيح؛ إذ لا بد للمسلم مع الدعاء من حضور القلب وعدم الغفلة والإتقان بالإجابة، ولهذا فقد عد الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه الجواب الكافي غفلة القلب وعدم حضوره مانعاً من موانع إجابة الدعاء، واحتج على ذلك بهذا الحديث ثم قال:
"وهذا دواء نافع مزيل للداء، ولكن غفلة القلب تبطل قوته"، وقال رحمه الله: "وإذا جمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب، وصادف وقتاً من أوقات الإجابة الستة، وهو الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبة، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة من ذلك اليوم، وآخر ساعة بعد العصر، وصادف خشوعاً في القلب وانكساراً بين يدي الرب، ودلا له وتضرعاً ورقة، واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارة، ورفع يديه إلى الله، وبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ثنى بالصلاة على محمد عبده ورسوله، ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار، ثم دخل على الله، وألح عليه في المسألة، وتملقه ودعاه رغبة ورهبة، وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده، وقدم بين يدي دعائه صدقة، فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد أبداً، ولا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها مظنة الإجابة، أو أنها متضمنة للاسم الأعظم". اهـ كلامه رحمه الله (2).
_______________________
(1) سنن الترمذي (رقم: 3479)، وانظر: الصحيحة (رقم: 594).
(2) الجواب الكافي (ص: 9)
وهو كلام عظيم النفع، مشتمل على ذكر جملة من الشروط المهمة والآداب العظيمة التي لا يكاد يرد الدعاء حال توفرها، ويمكن تلخيص هذه الآداب في الأمور التالية:
الأول: حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب.
الثاني: تحري أوقات الإجابة.
الثالث: أن يكون عن خشوع في القلب وتذلل وتضرع ورقة وانكسار بين يدي الله عز وجل.
الرابع: أن يستقبل الداعي القبلة.
الخامس: أن يكون على طهارة.
السادس: أن يرفع يديه إلى الله عز وجل عند الدعاء.
السابع: أن يبدأ دعاءه بحمد الله وحسن الثناء عليه، ثم يثني بالصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
الثامن: أن يقدم بين يدي حاجته وطلبه التوبة والاستغفار.
التاسع: أن يلح على الله ويتملقه ويكثر من مناجاته.
العاشر: أن يجمع في دعائه بين الرغبة والرهبة.
الحادي عشر: أن يتوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العظيمة وتوحيده.
الثاني عشر: أن يقدم بين يدي دعائه صدقة.
الثالث عشر: أن يتخير الأدعية الجامعة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها مظنة الإجابة، أو أنها متضمنة لاسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى.
فإذا جمع المسلم في دعائه هذه الأمور العظيمة، فإن دعاءه لا يكاد يرد أبداً، إلا أن ها هنا امراً نبه عليه أهل العلم لا بد من العناية به وتحقيقه، وهو أن الداعي ينبغي له مع قيامه بالدعاء مستوفياً لشروطه وآدابه أن يستتبع ذلك القيام بلوازم ذلك ومتمماته، وذلك بالسعي والجد والاجتهاد في نيل المطلوب "فسؤال الله الهداية يستدعي فعل جميع الأسباب التي تدرك بها الهداية؛ العلمية والعملية، وسؤال الله الرحمة والمغفرة يقتضي مع ذلك فعل الممكن من الأسباب التي تنال بها الرحمة والمغفرة، وهي معروفة في الكتاب والسنة، وإذا قال الداعي: اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، إلى آخره يقتضي في هذا الطلب والالتجاء إلى الله أن يسعى العبد في إصلاح دينه بمعرفة الحق واتباعه، ومعرفة الباطل واجتنابه، ودفع فتن الشبهات والشهوات، ويقتضي أن يسعى ويقوم بالأسباب التي تصلح بها دنياه، وهي متنوعة بحسب أحوال الخلق، وإذا قال الداعي: {رَبِّ أَوْزِعْنِىٓ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِىٓ أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحًا تَرْضَىٰهُ وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرِّيَّتِىٓ ۖ إِنِّى تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ} (1)، فمع هذا التضرع إلى الله يسعى في شكر نعم الله عليه وعلى والدايه اعترافاً وثناء وحمداً واستعانة بها على طاعته، وتعرف الأعمال الصالحة التي ترضي الله والعمل بها، والسعي في تربية الذرية تربية إصلاحية دينية، وهكذا جميع الأدعية صريحة في الاتكال والتضرع إلى الله والالتجاء إليه في حصول المطالب المتنوعة، وصريحة في الاجتهاد في فعل كل سبب ينال به ذلك المقصود، فإن الله تعالى جعل المطالب كلها أسباباً بها تنال، وأمر بفعلها مع قوة الاعتماد
_______________________
(1) سورة الأحقاف، الآية: (15).
على الله، والدعاء يعبر عن قوة الاعتماد على الله، ولهذا كان روح العبادة ومخها، وإذا سأل العبد ربه أن يتوفاه مسلماً وأن يتوفاه مع الأبرار كان سؤالاً لحسن الخاتمة، ويستدعي فعل الأسباب والتوفيق للأسباب التي تنال بها الوفاة على الإسلام، ولهذا يقول الله تعالى: {وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (1)، وذلك بفعل الأسباب والاعتماد على مسببها" (2)، وهو الله وحده الذي بيده أزمة الأمور._______________________
(1) سورة آل عمران، الآية: (102).
(2) مجموع الفوائد واقتناص الأوابد لابن سعدي (ص: 98).
التصنيف | أهمية حضور القلب في الدعاء وجملة من الآداب الأخرى |
المصدر | الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ |
عدد المشاهدات | 0 |