عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا" (1).
في السنن الكبرى للبيهقي من حديث أنس الله عنه مرفوعاً: "ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ لَا تُردُّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الْصَائِم، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ" (1).
تقدم معنا الإشارة إلى أوقات وأحوال تجاب فيها الدعوات، وهي أوقات وأحوال فاضلة يزداد فيها قرب العبد من ربه ويعظم إلحاحه عليه ويقوى إقباله وقربه وإخلاصه، وفي السنة النبوية المباركة إشارات إلى أمور عديدة من هذا القبيل ينبه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من كان كذلك فإن دعوته لا ترد.
ولعلي أشير هنا إلى جملة من نصوص السنة الواردة فيمن لا ترد دعوتهم.
فمما ورد في السنة أن دعوتهم لا ترد: الصائم حتى يفطر، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده أو عليه، ودعوة المظلوم، ففي السنن الكبرى للبيهقي من حديث أنس الله عنه مرفوعاً: "ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ لَا تُردُّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الْصَائِم، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ" (1).
وروى الترمذي وأبو داود وابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنَّ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ" (2)،
_______________________
(1) السنن الكبرى للبيهقي (3/ 345)، وصححه العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة (رقم: 1797).
(2) سنن أبي داود (رقم: 1536)، وسنن ابن ماجه (رقم: 3862)، وسنن الترمذي (رقم: 1905)، وحسنه العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة (رقم: 596).
وقد رواه الإمام أحمد في مسند بلفظ "دَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ" (1).ومما ورد أيضاً في دعوة المظلوم حديث عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ وفيه: "وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ" (2).
وكُتب السير والأخبار مليئة بذكر الوقائع والشواهد على ذلك، ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَرْوَى بِنْتَ أُوَيْسٍ ادَّعَتْ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ أَرْضِهَا فَخَاصَمَتْهُ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أَرْضِهَا شَيْئًا بَعْدَ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا طُوِّقَهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ" فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: لَا أَسْأَلُكَ بَيِّنَةً بَعْدَ هَذَا. فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَعَمِّ بَصَرَهَا وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا قَالَ فَمَا مَاتَتْ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهَا ثُمَّ بَيْنَا هِيَ تَمْشِي فِي أَرْضِهَا إِذْ وَقَعَتْ فِي حُفْرَةٍ فَمَاتَتْ" (3).
_______________________
(1) المسند (2/ 258).
(2) صحيح البخاري (رقم: 2448).
(3) صحيح مسلم (3/ 1231).
وكذلك دلت السنة أن دعوة المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب لا ترد، ففي صحيح مسلم عن أُمَّ الدَّرْدَاءِ أنها فَقَالَتْ لِصَفْوَّان أَتُرِيدُ الْحَجَّ الْعَامَ. فَقُلْتُ: نَعَمْ قَالَتْ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا بِخَيْرٍ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: "دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ" (1).وروى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ وَلَكَ بِمِثْلٍ" (2).
ومما ورد في السنة في إجابة الدعاء ما ثبت في صحيح البخاري عَنْ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ" (3).
وروى أبو داود في سننه وأحمد في المسند، وغيرهما عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَبِيتُ عَلَى ذِكْرٍ طَاهِرًا فَيَتَعَارُّ مِنْ اللَّيْلِ فَيَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ" (4).
_______________________
(1) صحيح مسلم (رقم: 2733).
(2) صحيح مسلم (رقم: 2732).
(3) صحيح البخاري (رقم: 1154).
(4) سنن أبي داود (رقم: 5042)، والمسند (5/ 234، 341، 244)، وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (رقم: 5754).والعبد كلما كان قريباً من الله مطيعاً له محافظاً على أوامره كان حرياً بالإجابة والقبول في دعواته ومناجاته لربه، وقد ثبت في صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ" (1).
وكذلك عندما يقبل العبد على الله إذا مسه الضر بصدق وإخلاص وشدة رغبة فإن دعاءه لا يرد، والله يقول: {أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوٓءَ} (2)، قال بعض أهل العلم في هذه الآية:
"ضمن الله تعالى إجابة المضطر إذا دعاه، وأخبر بذلك عن نفسه، والسبب في ذلك أن الضرورة إليه باللجأ ينشأ عن الإخلاص وقطع القلب عما سواه، وللإخلاص عنده سبحانه موقع وذمة وجد من مؤمن أو كافر، طائع أو فاجر" (3).
_______________________
(1) صحيح البخاري (رقم: 6502).
(2) سورة النمل، الآية: (62).
(3) تفسير القرطبي (13/ 148).
ودعوة ذي النون عليه السلام التي دعا بها في بطن الحوت لها شأن عظيم في الإجابة والقبول، قال تعالى: {وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِى ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبْحَٰنَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُۥ وَنَجَّيْنَٰهُ مِنَ ٱلْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُۨجِى ٱلْمُؤْمِنِينَ} (1)، وقد ثبت في السنة أن هذه الدعوة العظيمة المباركة لا يدعو بها مسلم في شيء إلا استجاب الله له، روى الترمذي وغيره عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ" (2).وإذا ضم العبد إلى ذلك التوسل إلى الله بأعماله الصالحة التي قام بها في حياته متقرباً بها إلى الله طالباً بها مرضاته لن ترد له دعوة كما هو الشأن في النفر الثلاثة الذين أطبقت عليهم الصخرة وهم في الغار فتوسل كل واحد منهم بعمل من أعماله الصالحة حتى فرج الله عنهم بذلك وقد مضت قصتهم كاملة.
فتقرب العبد إلى الله وإكثاره من الأعمال الصالحة وإقباله على ربه بما يرضيه هو أعظم أسباب القبول وأهم دواعي الإجابة، والتوفيق بيد الله وحده.
_______________________
(1) سورة الأنبياء، الآيات: (87-88).
(2) سنن الترمذي (رقم: 3505)، والمسند (1/ 170)، وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (رقم: 3383).
التصنيف | من تُستجاب دعوتهم |
المصدر | الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ |
عدد المشاهدات | 0 |