روى الترمذي عن طَلْحَةَ رضي الله عنه: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ: اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ"
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ وَقَرَأَ {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِلَى قَوْلِهِ دَاخِرِينَ} (1)"
لقد مرَّ معنا قول عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ وَقَرَأَ {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِلَى قَوْلِهِ دَاخِرِينَ} (1)" (2)، ولا ريب أن في هذا احديث أبلغ دلالة على عظم شأن الدعاء، وأنه نوع من أنواع العبادة، ولا يخفى على كل مسلم أن العبادة حق حالص لله وخده، فكما أن الله تبارك وتعالى لا شريك له في الخلق والرزق والإحياء والإماتة والتصرف والتدبير، فكذلك لا شريك له في العبادة بجميع أنواعهما ومنها الدعاء، فمن دعا غير الله عز وجل طالباً منه أمراً من الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله فقد عبد غير الله وأشرك معه غيره، والله تبارك وتعالى لم يبعث رسله ولم يُنزل كتبه إلا لدعوة الناس إلى الإخلاص في العبادة والتحذير من صرفها لغير الله، قال الله تعالى: {وَمَآ أُمِرُوٓا إِلَّا لِيَعْبُدُوٓا إِلَٰهًا وَٰحِدًا ۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَٰنَهُۥ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (3)، وقال تعالى: {وَمَآ أُمِرُوٓا إِلَّا لِيَعْبُدُوا ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ} (4)، وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (5)، وقال تعالى: {أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ ۚ} (6)، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
_______________________
(1) سورة غافر، الآية: (60).
(2) المسند (3/ 267)، وسنن الترمذي (رقم: 3247)، والأدب المفرد (رقم: 714)، وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الأدب المفرد (1757).
(3) سورة التوبة، الآية : (31).
(4) سورة البينة، الآية: (5).
(5) سورة الذاريات، الآية: (56).
(6) سورة الزمر، الآية (3).
ولهذا فقد تواترت الأدلة وتضافرت النصوص في الكتاب والسنة على التحذير من صرف الدعاء لغير الله والنهي عن ذلك وذم فاعله بأشد أنواع الذم، حتى صار ذلك من ضروريات هذا الدين التي لا يرتاب فيها كل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد تنوعت دلالات نصوص القرآن الكريم المشتملة على ذلك وتكررت في مواطن كثيرة، وذلك لشدة خطورة دعاء غير الله، ولكونه أكثر أنواع الشرك وقوعاً، حتى قال بعض أهل العلم: "لا نعلم نوعاً من أنواع الكفر والردة ورد فيه من النصوص مثل ما ورد في دعاء غير الله بالنهي عنه والتحذير من فعله والوعيد عليه" (1).فمن هذه النصوص قول الله تبارك وتعالى: {ٱدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِى ٱلْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَٰحِهَا وَٱدْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ} (2)، وقال تعالى: {قُلِ ٱدْعُوا ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُوا ٱلرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ ۚ} (3)، وقال تعالى: {هُوَ ٱلْحَىُّ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ ۗ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ} (4).
_______________________
(1) النبذة الشريفة النفيسة في الرد على القبوريين، للشيخ حمد بن ناصر بن عثمان آل معمر (ص: 37).
(2) سورة الأعراف، الآية: (55- 56).
(3) سورة الإسراء، الآية: (110).
(4) سورة غافر، الآية: (65).
قال الشوكاني رحمه الله في رسالة له في وجوب توحيد الله عز وجل بعد أن أورد طرفاً من هذه النصوص: "فهذه الآيات البينات دلت على أن الدعاء مطلوب لله عز وجل من عباده، وهذا القدر يكفي في إثبات كونه عبادة، فكيف إذا انضم إلى ذلك النهي عن دعاء غير الله سبحانه، قال الله عز وجل: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ ٱللَّهِ أَحَدًا} (1)، وقال تعالى: {لَهُۥ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ ۖ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَىْءٍ} (2)، وقال سبحانه ناعياً على من يدعو غيره ضارباً له الأمثال: {إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ۖ} (3)، وقال تعالى: {قُلِ ٱدْعُوا ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ ۖ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍۢ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِى ٱلْأَرْضِ} (4).فكيف إذا صرح القرآن الكريم بأن الدعاء عبادة تصريحاً لا يبقى عنده ريب لمرتاب، قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدْعُونِىٓ أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (5)، فقد طلب الله سبحانه من عباده في هذه الآية أن يدعوه، وجعل جزاء الدعاء له منهم الإجابه منه فقال: {أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، ولهذا جزمه لكونه جواباً للأمر، ثم توعدهم على الاستكبار عن هذه العبادة - أعني الدعاء - بما صرح به في آخر الآية وجعل العبادة مكان الدعاء تفسيراً له وإيضاحاً لمعناه، وبياناً لعباده بأن هذا الأمر الذي طلبه منهم وأرشدهم إليه هو نوع من عبادته التي خص بها نفسه وخلق لها عباده كما قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (6)،
_______________________
(1) سورة الجن، الآية: (18).
(2) سورة الرعد، الآية: (14).
(3) سورة الأعراف، الآية: (194).
(4) سورة سبأ، الآية: (22).
(5) سورة غافر، الآية: (60).
(6) سورة الذاريات، الآية (56).
ومع هذا كله فقد جاءت السنة المطهرة بما يدل أبلغ دلالة على أن الدعاء من أكمل أنواع لعبادة. ." (1)، ثم ذكر رحمه الله ما يدل على ذلك من السنة.إن الواجب على كل مسلم أن يدرك خطورة الأمر، وأن يعلم أن هذا حق خالص لله عز وجل لا يجوز أن يشرك معه فيه غيره، وكيف يشرك المخلوق الضعيف العاجز بالملك العظيم الذي بيده.
أزمة الأمور، المتفرد بإجابة الدعاء وكشف الكروب، الذي له الأمر كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، الذي ما تعلق به ضعيف إلا أفاده القوة، ولا ذليل إلا أناله العزة، ولا فقير إلا أعطاه الغنى، ولا مستوحش إلا آنسه، ولا مغلوب إلا أيده ونصره، ولا مضطر إلا كشف ضره، ولا شريد إلا آواه، فهو سبحانه الذي يجيب المضطرين، ويغيث الملهوفين، ويعطي السائلين، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، لا إله إلا هو الملك الحق المبين.
وقد أجمع أهل العلم على أن من صرف شيئاً من الدعاء لغير الله فهو مشرك بالله العظيم، ولو قال لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولو صلى وصام؛ إذ شرط الإسلام أن لا يعبد إلا الله، فليحذر من يريد لنفسه الفوز والسعادة من هذا الإثم المبين والخطر العظيم.
نسأل الله الكريم أن يجنبنا والمسلمين ذلك، وأن يقينا من الزلل في القول والعمل، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
_______________________
(1) رسالة في وجوب توحيد الله عز وجل، للشوكاني (ص: 56-58).
التصنيف | الدعاء حق خالص لله |
المصدر | الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ |
عدد المشاهدات | 0 |