قال الله تعالى: {وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٍۢ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَن كَثِيرٍۢ} (3)، وقال تعالى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ} (4)
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه: "أَنَّ رَهْطًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْطَلَقُوا فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، حَتَّى نَزَلُوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ قَدْ نَزَلُوا بِكُمْ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ، فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ فَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ شَيْءٌ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ وَاللَّهِ، إِنِّي لَرَاقٍ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدْ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ، فَانْطَلَقَ فَجَعَلَ يَتْفُلُ وَيَقْرَأُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، حَتَّى لَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَانْطَلَقَ يَمْشِي مَا بِهِ قَلَبَةٌ [أي: ألم وعلة]، قَالَ: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمْ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اقْسِمُوا فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لَا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ أَصَبْتُمْ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ"
لقد جاء في السنة المطهرة أنواع من الأذكار والأدعية يشرع أن يرقى بها المريض، وقد جعلها الله سبباً للشفاء والعافية، وسأتناول طائفة مباركة من هذه الأذكار والأدعية، وإن أعظم ما يُرقى به المريض فاتحة الكتاب أم القرآن، فإنها كافية شافية، ففي الصحيحين عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه: "أَنَّ رَهْطًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْطَلَقُوا فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، حَتَّى نَزَلُوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ قَدْ نَزَلُوا بِكُمْ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ، فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ فَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ شَيْءٌ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ وَاللَّهِ، إِنِّي لَرَاقٍ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدْ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ، فَانْطَلَقَ فَجَعَلَ يَتْفُلُ وَيَقْرَأُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، حَتَّى لَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَانْطَلَقَ يَمْشِي مَا بِهِ قَلَبَةٌ [أي: ألم وعلة]، قَالَ: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمْ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اقْسِمُوا فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لَا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ أَصَبْتُمْ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ" (1).
فدل هذا الحديث على عظم شأن هذه السورة، وأن لها تأثيراً عظيماً في شفاء المريض وزوال علته بإذن الله.
_______________________
(1) صحيح البخاري (رقم: 5749)، وصحيح مسلم (2201).
قال ابن القيم - رحمه الله - في التعليق على هذا الحديث: "فقد أثر هذا الدواء في هذا الداء وأزاله، حتى كأنه لم يكن، وهو أسهل دواء وأيسره، ولو أحسن العبد التداوي بالفاتحة لرأى لها تأثيراً عجيباً في الشفاء، ومكثت بمكة مدة يعتريني أدواء ولا أجد طبيباً ولا دواء، فكنت أعالج نفسي بالفاتحة، فأرى لها تأثيراً عجيباً، فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألماً، فكان كثير منهم يبرأ سريعاً" (1) اهـ.ومما يرقى به المريض المعوذات {قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ}، ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ بِيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا" (2).
وفي صحيح مسلم عنها رضي الله عنها قالت: "قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ" (3).
وقولها: "بالمعوذات" أي: الإخلاص والفلق والناس، ودخلت سورة الإخلاص معهما تغليباً لما اشتملت عليه من صفة الرب وإن لم يصرح فيها بلفظ التعويذ (4).
_______________________
(1) الجواب الكافي (ص: 5).
(2) صحيح البخاري (رقم: 5016)، وصحيح مسلم ( رقم: 2192).
(3) صحيح مسلم (رقم: 2192).
(4) انظر: فتح الباري لابن حجر (9/ 62).
وقد دل الحديث على عظم شأن هذه السور الثلاثة وأنها رقية وشفاء للوجع بإذن الله، وقد ورد في شأن هذه السور أحاديث كثيرة تدل على عظم شأنها، وسورتا المعوذتين لهما تأثير عظيم لا سيما إن كان المرض ناشئاً عن سحر أو عين أو نحو ذلك.قال ابن القيم - رحمه الله - في مقدمة تفسيره للمعوذتين: "والمقصود الكلام على هاتين السورتين وبيان عظيم منفعتهما وشدة الحاجة بل الضرورة إليهما، وأنه لا يستغني عنهما أحد قط، وأن لهما تأثيراً خاصاً في دفع السحر والعين وسائر الشرور وأن حاجة العبد إلى الاستعاذة بهاتين السورتين أعظم من حاجته إلى النفس والطعام والشراب واللباس" (1)، ثم بسط الكلام عليهما بسطا عظيم النفع والفائدة.
ومما يرقى به المريض ما ثبت في صحيح مسلم عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ وَقُلْ بِاسْمِ اللَّهِ ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ" (2).
وقوله: "مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ" أي: من شر ما أجد من وجع وألم، ومن شر ما أحاذر من ذلك، أي: ما أخاف وأحذر.
وهذا فيه التعوذ من الوجع الذي هو فيه، والتعوذ من الوجع الذي يخاف حصوله أو يتوقع حصوله في المستقبل، ومن ذلك تفاقم المرض الذي هو فيه وتزايده، وهذا يحصل للإنسان كثيراً عند ما يصاب بمرض فإنه قد ينتابه شيء من القلق تخوفاً من تزايد المرض وتفاقمه، وفي هذا الدعاء العظيم تعوذ بالله من ذلك.
_______________________
(1) انظر: بدائع الفوائد لابن القيم (2/ 199).
(2) صحيح مسلم (رقم: 2202).
وثبت في صحيح مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه: "أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ. اللَّهُ يَشْفِيكَ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ" (1).وثبت في الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَيَقُولُ اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبْ الْبَاسَ اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا" (2)، وفي رواية عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى منا إنسان مسحه بيمينه ثم قال: وذكرت الدعاء (3)،" وفي رواية قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرقي بهذه الرقية وذكرته" (4).
وفي صحيح البخاري عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَقَالَ ثَابِتٌ يَا أَبَا حَمْزَةَ اشْتَكَيْتُ فَقَالَ أَنَسٌ أَفَلَا أَرْقِيكَ بِرُقْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَلَى قَالَ اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ مُذْهِبَ الْبَاسِ اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شَافِيَ إِلَّا أَنْتَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا" (5).
قوله: "اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ" فيه التوسل إلى الله بربوبيته للناس أجمعين، بخلقهم وتدبير شؤونهم وتصريف أمورهم، فبيده سبحانه الحياة والموت، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والقوة والضعف.
_______________________
(1) صحيح مسلم (رقم: 2186).
(2) صحيح البخاري (رقم: 5743)، وصحيح مسلم (رقم: 2191).
(3) صحيح مسلم (رقم: 2191).
(4) صحيح مسلم (رقم: 2191).
(5) صحيح البخاري (رقم: 5742).
وقوله: "أَذْهِبَ الْبَاسِ" والبأس هو التعب والشدة والمرض، وهو هنا بغير همزة مراعاة للازدواج والمؤاخاة.وجاء في حديث أنس: "اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ مُذْهِبَ الْبَاسِ" وفي هذا التوسل إلى الله سبحانه بأنه وحده المذهب للبأس، فلا ذهاب للبأس عن العبد إلا بإذنه ومشيئته سبحانه.
وقوله: :اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي" فيه سؤال الله الشفاء هو العافية والسلامة من المرض، وقوله: "لَا شَافِيَ" توسل إلى الله سبحانه بأنه الشافي الذي بيده الشفاء، كما في قوله تعالى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} (1).
وقوله: "لا شفاء إلا شفاؤك" فيه تأكيد لما سبق، إقرار بأن العلاج والتداوي إن لم يوافق إذناً من الله بالعافية والشفاء، فإنه لا ينفع ولا يجدي.
وقوله: "شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا" أي: لا يترك مرضاً ولا يخلف علة، والفائدة من هذا أن الشفاء من المرض قد يحصل، ولكن قد يخلفه مرض آخر يتولد منه وينشأ بسببه، فسأل الله أن يكون شفاؤه من المرض شفاء تاماً لا يبقى معه أثر، ولا يخلف في المريض أي علة، وهذا من تمام الدعوات النبوية وكمالها ووفائها.
_______________________
(1) سورة: الشعراء، الآية: (80).
التصنيف | ما يرقى به المريض |
المصدر | الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ |
عدد المشاهدات | 0 |