روى الإمام مسلم في صحيحه عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: "قيل له: قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة [أي: حتى كيفية قضاء الحاجة] فقال: أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنحي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو عظم" (1).
روى مسلم في صحيحه عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، فَمَضَى فَقُلْتُ يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ، فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَهَا يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ"
ورد في هذا أنواع من الأذكار والأدعية، وفيما يلي عرض لجملة من النصوص الواردة في هذا الباب مع إيضاح شيء من معانيها ودلالتها.
روى مسلم في صحيحه عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، فَمَضَى فَقُلْتُ يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ، فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَهَا يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ" (1).
ففي هذا الحديث مشروعية أن يقول المسلم في ركوعه (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ) وفي سجوده (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى)، قال ابن القيم رحمه الله: "فشرع للراكع أن يذكر عظمة ربه في حال انخفاضه هو وتطامنه وخضوعه، وأنه سبحانه يوصف عظمته عما يضاد كبرياءه وجلاله وعظمته، فأفضل ما يقول الراكع على الإطلاق: (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ) فأن الله سبحانه أمر العباد بذلك، وعين المبلغ عنه السفير بينه وبين عباده هذا المحل لهذا الذكر لما نزلت: {فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ} (2) قال: (اجعلوها في ركوعكم) . . " (3).
_______________________
(1) صحيح مسلم (رقم: 772).
(2) سورة: الواقعة، الآية (74).
(3) كتاب الصلاة لابن القيم (ص: 176).
وقال عن السجود: وشرع فيه من الثناء على الله ما يناسبه، وهو قول العبد (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى)، فهذا أفضل ما يقال فيه، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أمره في السجود بغيره حيث قال: (اجعلوها في سجودكم). . . وكان وصف الرب بالعلو في هذه الحال في غاية المناسبة لحال الساجد الذي قد انحط إلى السفل على وجهه، فذكر علو ربه في حال سقوطه، وهو كما ذكر عظمته في حال خضوعه في ركوعه، ونزه ربه عما لا يليق به مما يضاد عظمته وعلوه" (1).وفي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ" (2).
والمراد بقولها رضي الله عنها يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ؛ أي: يتأول قول الله عز وجل في سورة النصر: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابًۢا} (3)، فكان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي".
وروى مسلم في صحيحه عنها رضي الله عنها: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ" (4).
_______________________
(1) كتاب الصلاة لابن القيم (ص: 181).
(2) صحيح البخاري (رقم: 794)، وصحيح مسلم (رقم: 484).
(3) سورة: النصر، الآية (3).
(4) صحيح مسلم (رقم: 487).وقوله: "سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ" هما اسمان لله دالان على تعظيم الله وتنزيهه سبحانه عن كل ما لا يليق به من النقائص والعيوب، وعن أن يشبهه أحد من خلقه في شيء من خصائصه ونعوت كماله، وقوله: "رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ" فيه ذكر ربوبية الله للملائكة عموماً، ثم خص بالذكر جبريل عليه السلام الروح الأمين؛ لكونه أفضل الملائكة ومقدمهم، وهو الذي كان ينزل بالوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {وَإِنَّهُۥ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلْأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِىٍّۢ مُّبِينٍۢ} (1)، وقد سمي جبريل عليه السلام روحاً؛ لأنه كان ينزل بالوحي الذي به حياة القلوب.
وروى أبو داود والنسائي وغيرهما عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: "قُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَقَامَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، لَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ فَسَأَلَ، وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ، قَالَ ثُمَّ رَكَعَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، ثُمَّ سَجَدَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ فِي سُجُودِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِآلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَرَأَ سُورَةً سُورَةً" (2).
وقوله: "سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ" أي: تنزه وتقدس، "الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ" أي: فعلوت من الجبر والملك، كالرحموت والرغبوت والرهبوت فعلوت من الرحمة والرغبة والرهبة، والعرب تقول: رهبوت خير من رحموت" أي: أن ترهب خير من أن ترحم، فالجبروت والملكوت يتضمن من معاني أسماء الله وصفاته ما دل عليه معنى الملك الجبار (3)،
_______________________
(1) سورة: الشعراء، الآيات (192- 195).
(2) سنن أبي داود (رقم: 873)، وسنن النسائي (رقم: 1120)، وصححه الألباني - رحمه الله - في صحيح أبي داود (رقم: 776).
(3) انظر الرد على المنطقيين لابن تيمية (ص: 196).قال الله تعالى في آخر سورة يس {فَسُبْحَٰنَ ٱلَّذِى بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍۢ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (1).
وقوله: "وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ" أي: وذي الكبرياء والعظمة، وهما وصفان متقاربان خاصان بالله تعالى، لا يستحقهما أحد سواه، كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ" (2).
فجعل العظمة بمنزلة الإزار، والكبرياء بمنزلة الرداء، إشارة إلى اختصاص الرب سبحانه بهما، وتنزيهه سبحانه عن الشريك في شيء من ذلك.
وروى مسلم في صحيحه عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في حديث طويل: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَكَعَ قَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ وَأَنْتَ رَبِّي خَشَعَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ يُتْبِعُهَا اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ فَإِذَا سَجَدَ قَالَ فِي سُجُودِهِ اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ وَأَنْتَ رَبِّي سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ" (3).
قوله: "اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ" تأخير الفعل يدل على الاختصاص؛ أي: لك ركوعي لا لسواك.
وقوله: "وَبِكَ آمَنْتُ" أي: أقررت وصدقت.
_______________________
(1) سورة: يس، الآية (83).
(2) سنن أبي داود (رقم: 4090)، وصححه الألباني - رحمه الله - في الصحيحة (رقم: 541).
(3) صحيح مسلم (رقم: 771).
وقوله: "وَلَكَ أَسْلَمْتُ" أي: انقدت وأطعت.
وقوله: "خَشَعَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي" أي: أن هذه الأشياء مني كلها خضعت لك وذلت بين يديك وانكسرت لجنابك.وقوله: "إِذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ" "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" أي: استجاب الله لمن حمده فالسمع هنا سمع إجابة.
وقوله: "رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ" سيأتي اكلام عن معناه إن شاء الله.
وقوله: "سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ" فيه استحضار العبد لعظمة الله سبحانه، وكمال خلقه لإنسان في أكمل صورة وأحسن تقويم، فتبارك الله أحسن الخالقين.
التصنيف | أذكار الركوع والقيام منه والسجود والجلسة بين السجدتين |
المصدر | الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ |
عدد المشاهدات | 0 |