وفي رواية: "إِنَّ لِهَذِهِ الْبُيُوتِ عَوَامِرَ فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْهَا فَحَرِّجُوا عَلَيْهَا ثَلَاثًا فَإِنْ ذَهَبَ وَإِلَّا فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ".
روى الإمام مسلم في صحيحه عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: "قيل له: قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة [أي: حتى كيفية قضاء الحاجة] فقال: أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنحي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو عظم" (1).
لقد جاء في السنة الغراء بيان الأدب الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم عند دخوله الخلاء وحال قضائه للحاجة وعند خروجه منه، وهي آداب عديدة تدل على كمال هذه الشريعة المباركة وتمامها، وما من ريب في أن المسلم يفرح غاية الفرح بتلك الآداب لما فيها من كمال الحسن في التطهير والنظافة والتنقية والتزكية، بل إنها مفخرة للمسلم وأكرم بها من مفخرة.
روى الإمام مسلم في صحيحه عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: "قيل له: قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة [أي: حتى كيفية قضاء الحاجة] فقال: أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنحي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو عظم" (1).
وفي لفظ آخر للحديث عند مسلم عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: "قَالَ لَنَا الْمُشْرِكُونَ إِنِّي أَرَى صَاحِبَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ حَتَّى يُعَلِّمَكُمْ الْخِرَاءَةَ فَقَالَ أَجَلْ إِنَّهُ نَهَانَا أَنْ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِيَمِينِهِ أَوْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَنَهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالْعِظَامِ وَقَالَ لَا يَسْتَنْجِي أَحَدُكُمْ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ" (2).
_______________________
(1) صحيح مسلم (رقم: 262).
(2) صحيح مسلم (رقم: 262).
فهؤلاء المشركون أرادوا عيب الصحابة رضي الله عنهم بما اشتمل عليه دينهم من تعاليم متعلقة بكيفية قضاء الحاجة، فقالوا على وجه السخرية: قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة، فانبرى لهم سلمان الفارسي رضي الله عنه مبطلاً انتقادهم محطماً تهكمهم، وقال بكل افتخار واعتزاز "أجل" أي: نعم، لقد علمنا هذا الأمر ونحن نفخر بذلك، ثم أخذ رضي الله عنه يعدد لهم - مفتخراً - شيئاً من الآداب الكريمة والتعاليم المباركة التي جاءت بها السنة في هذا الشأن، وهي بحق تعاليم مباركة لا يعرفها هؤلاء ونظراؤهم من أشباه الأنعام، وإنما يعرفها من منحه الله التوفيق وهداه لهذا الدين الحنيف، فالحمد لله على ما هدانا والشكر له على ما أولانا.
وفيما يلي وقفة في بيان شيء من هذه الآداب.
يُستحب أولاً للمسلم عند دخول الخلاء أن يقول: بِسْم الله اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ، لما ثبت في الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ" (1).
والخُبث جمع خبيث، والخبائث جمع خبيثة، وقد جاء في بعض طرق الحديث ذكر البسملة في أوله، قال ابن حجر رحمه الله: "وقد روى العمري هذا الحديث من طريق عبد العزيز بن المختار، عن عبد العزيز بن صهيب بلفظ الأمر: فَإِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ، وإسناده على شرط مسلم" (2).
ويشهد لهذا ما رواه ابن ماجه وغيره عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمْ الْخَلَاءَ أَنْ يَقُولَ: "بِسْمِ اللَّهِ"، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه (3).
_______________________
(1) صحيح البخاري (رقم: 142)، وصحيح مسلم (رقم: 375).
(2) فتح الباري (1/ 244).
(3) سنن ابن ماجه (رقم: 297)، وانظر: إرواء الغليل للألباني (1/ 87 - 90).
ومن الأدب إذا كان في سفر وذهب لقضاء الحاجة أن ينطلق حتى يتوارى عن أصحابه؛ لما رواه أبو داود عن المغيرة بن شعبة: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ الْبَرَازَ انْطَلَقَ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ" (1).
ومن السنة أن لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض؛ لما روى أبو داود عَنْ ابْنِ عُمَرَ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ حَاجَةً لَا يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الْأَرْضِ" (2).
ومن السنة أن يستتر عن الناس؛ لما في صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: "كَانَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ" (3).
ومن الأدب ألا يبول في طريق الناس، ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ قَالُوا وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ" (4).
وروى أبو داود في سننه عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ" (5). والموارد: طرق الماء.
_______________________
(1) سنن أبي داود (رقم: 2)، وصححه الألباني - رحمه الله - في صحيح أبي داود (رقم: 2).
(2) سنن أبي داود (رقم: 14)، وصححه الألباني - رحمه الله - في السلسلة الصحيحة (رقم: 1071).
(3) صحيح مسلم (رقم: 342).
(4) صحيح مسلم (رقم: 269).
(5) سنن أبي داود (رقم: 26)، وحسنه الألباني - رحمه الله - في صحيح أبي داود (رقم: 21).
ومن آداب قضاء الحاجة ألا يستقبل المسلم القبلة بغائط ولا بول احتراماً لها، ولا يستدبرها، وألا يستنجي بيده اليمنى، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ أُعَلِّمُكُمْ فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ فَلَا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا وَلَا يَسْتَطِبْ بِيَمِينِهِ وَكَانَ يَأْمُرُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَيَنْهَى عَنْ الرَّوْثِ" (1).
وتأمل ما في قوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ أُعَلِّمُكُمْ" من تمام الرعاية وحسن العناية وكمال النصح.
ومن الأدب إذا استجمر المسلم بعد قضائه الحاجة ألا يستجمر بأقل من ثلاث؛ لما في ذلك من تمام الإنقاء، ولا بأس أن يستعمل ما يقوم مقام الأحجار كالمناديل ونحوها، وله أن يستنجي بالماء وهو أفضل، ففي الصحيحين عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ أَجِيءُ أَنَا وَغُلَامٌ مَعَنَا إِدَاوَةٌ مِنْ مَاءٍ يَعْنِي يَسْتَنْجِي بِهِ" (2).
وعلى المسلم عند قضاء الحاجة أن يحذر من رشاش البول أن يصيب بدنه أو ثيابه؛ لما روى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلىَ قَبْرَيْنِ فَقَالَ: "إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّت أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنْ بَوْلِه"، وفي رواية: "لَا يَسْتَنْزِهُ عَنْ الْبَوْلِ أَوْ مِنْ الْبَوْلِ" (3).
_______________________
(1) سنن أبي داود (رقم: 8)، وحسنه الألباني رحمه الله - في صحيح الجامع (رقم: 2346).
(2) صحيح البخاري (رقم: 150)، صحيح مسلم (رقم:: 271).
(3) صحيح البخاري (رقم: 1361)، صحيح مسلم (رقم: 292).
ولا يجوز للمسلم أن يتكلم وقت قضائه الحاجة، ولا يشتغل بشيء من الذكر والدعاء، ففي صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "أَنَّ رَجُلًا مَرَّ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبُولُ فَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ" (1)، وفي الحديث دلالة على أن المسلم لا ينبغي له أن يتكلم وقت قضاء الحاجة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد عليه بشيء، ولا ينبغي له كذلك أن يشتغل بشيء من الذكر والدعاء، والسلام ودعاء، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يرد السلام على هذا المسلم.
فهذه جملة من الآداب العظيمة لقضاء الحاجة ندب إليها الإسلام وحثت عليها الشريعة، وهي تدل على كمال هذا الدين وحسنه وجماله.
ثم إن المسلم يستحب له إذا خرج من الخلاء أن يقول: غفرانك؛ لما رواه الإمام أحمد وأهل السنن عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كَان النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ غُفْرَانَكَ" (2).
وقوله: "غُفْرَانَكَ" في هذا المقام قيل في معناه: أي "خوفاً من تقصيره في أداء شكر هذه النعمة الجليلة أن أطعمه ثم هضمه ثم سهل خروجه، فرأى شكره قاصراً عن بلوغ حق هذه النعمة، فتداركه بالاستغفار" (3).
اللهم اغفر ذنوبنا وأعنا على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام.
_______________________
(1) صحيح مسلم (رقم: 370).
(2) المسند (6/ 155)، سنن أبي داود (رقم: 30)، وسنن الترمذي (رقم: 7)، وسنن ابن ماجه (رقم: 300)، وحسنه الألباني - رحمه الله - في صحيح الجامع (رقم: 4707).
(3) انظر: الفتوحات الربانية لابن علان (1/ 401).
التصنيف | مَا يَقُولُ عِنْدَ دُخُولِ الحَمَّامِ |
المصدر | الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ |
عدد المشاهدات | 0 |