التصنيفات


روى الترمذي وأبو داود وغيرهما عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ قَالَ يُقَالُ حِينَئِذٍ هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ فَيَقُولُ عَنهُ شَيْطَانٌ آخَرُ كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ" (1).

لقد ثبت في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أذكار مباركة وأدعية نافعة يقولها المسلم إذا خرج من منزله، فإذا قالها حُفظ بإذن الله، وكُفي ما أهمه، ووقي من الشرور والآفات، وهُدي إلى طريق الحق والصواب، روى الترمذي وأبو داود وغيرهما عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ قَالَ يُقَالُ حِينَئِذٍ هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ فَيَقُولُ عَنهُ شَيْطَانٌ آخَرُ كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ" (1).
 
وهذا الذكر المبارك نافع للمسلم أن يقوله في كل مرة يخرج فيها من بيته لقضاء شيء من مصالحه الدينية أو الدنيوية، وذلك ليكون محفوظاً في سيره، ومعاناً في قضاء مصالحه، مسدداً في وجهته وحاجته، والعبد لا غنى له عن ربه طرفة عين، بأن يكون له حافظاً ومؤيداً، ومسدداً، وهادياً، ولا ينال العبد ذلك إلا بالتوجه إلى الله عز وجل في حصوله ونيله، فأرشد صلوات الله وسلامه عليه من خرج من منزله إلى أن يقول هذا الذكر المبارك ليهدي في طريقه، وليُكفي همه وحاجته، وليوقى الشرور والآفات.
 
وقوله: "إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ" أي: حال خروجه من بيته، ومثل البيت المنزل الذي يسافر منه المسافر.
_______________________
(1)  سنن أبي داود (رقم: 5095)، وسنن الترمذي (رقم: 3426)، وصححه الألباني - رحمه الله - في صحيح الجامع (رقم: 499).

 
وقوله: "بِسْمِ اللَّهِ" أي: بسم الله أخرج، فكل فاعل يقدر فعلاً مناسباً لحاله عندما يبسمل، والباء في "بِسْمِ اللَّهِ" للاستعانة، أي: أخرج طالباً من الله العون والحفظ والتسديد.
 
وقوله: "تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ" أي: اعتمدت عليه، وفوضت جميع أموري إليه، فالتوكل هو الاعتماد والتفويض وهو من اعمال القلوب، ولا يجوز صرفه لغير الله، بل يجب إخلاصه لله وحده، قال تعالى: {وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوٓا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (1)، أي: عليه وحده لا على غيره، فجعل ذلك شرطاً في الإيمان، والتوكل أجمع أنواع العبادة وأعلى مقامات التوحيد وأعظمها؛ لما ينشأ عنه من الأعمال الصالحة والطاعات المتنوعة، فإنه إذا اعتمد العبد على الله في جميع أموره الدينية والدنيوية دون من سواه صح إخلاصه، وقويت صلته بالله، وزاد إقباله علليه، وكفاه الله همه، قال تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُۥ} (2)، أي: كافيه، ومن كان الله كافيه فلا مطمع فيه لعدو، ولو كادت له السموات والأرض ومن فيهن لجعل الله له فرجاً ومخرجاً ورزقه الله من حيث لا يتحتسب، وفي هذا دلالة على عظم فضل التوكل وأنه أعظم أسباب جلب المنافع ودفع المضار.
 
وقوله: "لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ"، هي كلمة إسلام واستسلام وتفويض إلى الله، وتبرؤ من الحول والقوة إلا به، وأن العبد لا يملك من أمره شيئاً، وليس له حيلة في دفع شر، ولا قوة في جلب خير لا بإرادته سبحانه، وقول لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ تنال به الإعانة.
_______________________
(1)  سورة: المائدة، الآية (23).
(2)  سورة: الطلاق، الآية (3).
 

 
ولو تأمل المسلم هذا الذكر لوجده من أوله إلى آخره مشتملاً على الالتجاء إلى الله والاعتصام به والاعتماد عليه، وتفويض الأمور كلها إليه، ومن كان كذلك حظي بحفظ الله وعونه وتوفيقه وتسديده.
 
وقوله: "يُقَالُ حِينَئِذٍ" وفي رواية: "يُقال هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ" يجوز أن يكون القائل هو الله ويجوز أن يكون ملكاً من الملائكة.
 
وقوله: "هُدِيتَ" أي: إلى طريق الحق والصواب بسبب استعانتك بالله على سلوك ما أنت بصدده، ومن يهده الله فلا مضل له.
 
وقول: "وَكُفِيتَ" أي: كُقيت كل هم دنيوي أو أخروي.
وقوله: "وَوُقِيتَ" أي: حُفظت من شر أعدائك من الشياطين وغيرهم.
وقوله: "فَتَتَنَحَّى عَنهُ الشَّيَاطِينُ" أي: يبتعد عنه الشيطان؛ لأنه من كان هذا شأنه فلا سبيل للشيطان عليه؛ لأنه قد أصبح في حصن حصين وحرز مكين يحمي فيه من الشيطان الرجيم.
 
وقوله: "فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ"، أي: يقول أحد الشياطين لهذا الشيطان الذي كان يريد إغواء هذا الشخص وإيذائه: كيف لك برجل قد هُدي وكُفي ووقي، أي: كيف لك السبيل إلى إغواء وإيذاء رجل نال هذه الخصال الهداية والكفاية والوقاية.
 
وهذا يدلنا على عظم شأن هذا الذكر المبارك وأهمية المحافظة عليه عند خروج المسلم من منزله في كل مرة يخرج فيها؛ لينال هذه الأوصاف المباركة والثمار العظيمة المذكورة في هذا الحديث.

 
ومن الأذكار العظيمة النافعة للمسلم عند خروجه من منزله ما ثبت في سنن أبي داود وابن ماجه وغيرهما عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: مَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْتِي قَطُّ إِلَّا رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ" (1).
 
وهو حديث عظيم ودعاء مبارك يجدر بالمسلم أن يحافظ عليه عند خروجه من منزله تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يحافظ عليه عند كل خروج من منزله كما يدل على ذلك قول أم سلمة رضي الله عنها: "مَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْتِي قَطُّ إِلَّا رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ"، ثم ذكرت هذا الدعاء.
 
ولو تأملت هذا الدعاء لوجدت أنه موافق للحديث السابق في الغاية والمقصود، فقوله في الحديث السابق: "هديت" موافق لقوله في هذا الحديث: "اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ"، وقوله: "وقيت" موافق لقوله: "أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ"، فيكون العبد بذلك متعوذاً بالله مما يبعده من الهداية والكفاية والوقاية، ولا بأس لو أن العبد جمع بين هذين الدعاءين.
 
ثم إن في هذا الدعاء معانٍ جليلة ودلالات نافعة يأتي بيانها، وبالله وحده التوفيق.
 
_______________________
(1)  سنن أبي داود (رقم: 5094)، وابن ماجه (رقم: 3884)، وصححه الألباني - رحمه الله - في صحيح ابن ماجه (رقم: 3134).

التصنيف مَا يَقُولُ عِنْدَ الخُرُوجِ مِنَ المَنْزِلِ
المصدر الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ
عدد المشاهدات 0