التصنيفات

يقول الله تعالى {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا ٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَٱبْتَغُوٓا إِلَيْهِ ٱلْوَسِيلَةَ} (1)

إن من آداب الدعاء العظيمة التوسل إلى الله تبارك وتعالى بين يدي الدعاء بما شرعه وأحبه ورضيه لعباده وسيلة تقربهم إليه، يقول الله تعالى {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا ٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَٱبْتَغُوٓا إِلَيْهِ ٱلْوَسِيلَةَ} (1)، أي: القربة، ومن المعلوم أن التوسل إلى الله والتقرب إليه وطلب مرضاته إنما يكون بما شرع وأحب، لا بالأهواء والبدع، وهذا باب هام للغاي ينبغي للمسلم أن يتفطن له، وأن يحذر من الوقوع في المخالفة فيه؛ إذ إن من الناس من يقع في هذا الباب في مخالفات عديدة وانحرافات متنوعة، وهو يظن أن ما يفعله أمر يقربه إلى الله، ووسيلة تدنيه منه، إلا ان التوسل إلى الله والتقرب إليه لا يكون نافعاً للعبد مقبولاً عند الله إلا إذا كان مشروعاً قد دل على مشروعيته كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعند التأمل للنصوص في هذا نجد أنها قد دلت على أنواع معينة يشرع للعباد أن يتوسلوا إلى الله بها، وهي:

أولاً: التوسل إلى الله بأسمائه الحسنى الواردة في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِىٓ أَسْمَٰٓئِهِۦ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2)، وقال تعالى: {قُلِ ٱدْعُوا ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُوا ٱلرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ ۚ} (3).
_______________________
(1) سورة المائدة، الآية: (35).
(2) سورة الأعراف، الآية: (180).
(3) سورة الإسراء، الآية: (110).

ومن أمثلة هذا النوع قوله تعالى: {بسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ  مَٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ} إلى آخر السورة، فقدم بين يدي الدعاء وهو قوله {ٱهْدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ} الثناء على الله بذكر أسمائه الحسنى العظيمة، ومن ذلك أيضاً قول الداعي: يا رحمن ارحمني، أو يا غفور اغفر لي، أو يا رزاق ارزقني، ونحو ذلك من التوسلات إلى الله بأسمائه الحسنى.

ثانياُ: التوسل إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة التي يقوم بها العبد، كان يتوسل إلى الله بالإيمان به وطاعته واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ومحبته، ومن هذا النوع قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ ءَامَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ} (1)، وقوله: {رَّبَّنَآ إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِى لِلْإِيمَٰنِ أَنْ ءَامِنُوا بِرَبِّكُمْ فَـَٔامَنَّا ۚ رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّـَٔاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلْأَبْرَارِ} (2)، ومن ذلك توسل النفر الثلاثة بأعمالهم عندما انطبقت عليهم الصخرة وهم في الغار، فاستجاب الله دعاءهم وفرج همهم، روى البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَمْشُونَ أَخَذَهُمْ الْمَطَرُ فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلَّهِ فَادْعُوا اللَّهَ بِهَا لَعَلَّهُ يُفَرِّجُهَا عَنْكُمْ قَالَ أَحَدُهُمْ اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ فَإِذَا رُحْتُ عَلَيْهِمْ حَلَبْتُ فَبَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ أَسْقِيهِمَا قَبْلَ بَنِيَّ وَإِنِّي اسْتَأْخَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُمَا نَامَا فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِيَ الصِّبْيَةَ وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا فَرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ فَفَرَجَ اللَّهُ فَرَأَوْا السَّمَاءَ. 
_______________________
(1) سورة آل عمران، الآية: (16).
(2) سورة آل عمران، الآية: (193).

وَقَالَ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنَّهَا كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ أَحْبَبْتُهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ فَطَلَبْتُ مِنْهَا فَأَبَتْ عَلَيَّ حَتَّى أَتَيْتُهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ فَبَغَيْتُ حَتَّى جَمَعْتُهَا فَلَمَّا وَقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ يَا عَبْدَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفْتَحْ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ فَقُمْتُ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فَرْجَةً فَفَرَجَ لَهُم.

وَقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ أَعْطِنِي حَقِّي فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَرَغِبَ عَنْهُ فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيَهَا فَجَاءَنِي فَقَالَ اتَّقِ اللَّهَ فَقُلْتُ اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ الْبَقَرِ وَرُعَاتِهَا فَخُذْ فَقَالَ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَسْتَهْزِئْ بِي فَقُلْتُ إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ فَخُذْ فَأَخَذَهُ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لنا مَا بَقِيَ فَفَرَجَ اللَّه مَا بَقِيَ" (1).

فهؤلاء توسل كل واحد منهم إلى الله تعالى بعمل صالح يحبه الله ويرضاه، فكان ذلك سبباً لإجابة دعائهم وتحقيق رجائهم وكشف كربتهم.
_______________________
(1) صحيح البخاري (رقم: 2333)، وصحيح مسلم (رقم: 2743).

ثالثاً: التوسل إلى الله تعالى بدعاء الصالحين الأحياء، بأن يطلب المسلم من أخيه الحي الحاضر ان يدعو إلى الله له، فهذا النوع من التوسل مشروع لثبوته عن بعض الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان بعضهم يأتيه صلوات الله وسلامه عليه ويطلب منه الدعاء له أو لعموم المسلمين، ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَعْرَابِيٌّ قَامَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ - وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً - فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ."، إلى آخر الحديث، ومثله كذلك توسل الصحابة رضي الله عنهم بدعاء العباس رضي الله عنه، وهو في صحيح البخاري من حديث عَنْ أَنَسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا قَالَ فَيُسْقَوْنَ" (1).

والمراد بقوله "إِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا" أي بدعائه.

فهذه الأنواع الثلاثة من التوسل كلها مشروعة لدلالة نصوص الشرع عليها، وأما ما سوى ذلك مما لا أصل له، ولا دليل على مشروعيته فينبغي على المسلم أن يجتنبه، والله الموفق.
_______________________
(1) صحيح البخاري (رقم: 1010).

التصنيف أنواع التوسل المشروع
المصدر الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ
عدد المشاهدات 0