التصنيفات

في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الْآنَ"


إن من آداب الإسلام الحميدة وخصاله الرشيدة إفشاء السلام، فإن السلام تحية المؤمنين، وشعار الموحدين، وداعية الإخاء والألفة والمحبة بين المسلمين، وهو تحية مباركة طيبة، كما وصفه بذلك    رب العالمين، وذلك في قوله سبحانه {فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُبَٰرَكَةً   طَيِّبَةً ۚ} (1)، وهو تحية أهل الجنة يحييهم بها الملائكة الكرام، وذلك عندما يساق أهل الجنة إلى الجنة زمراً، وتفتح لهم أبوابها الثمانية، فيتلقاهم خونتها بهذه التحية {سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَٰلِدِينَ} (2)، وهو تحية أهل الجنة بينهم، كما قال تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَٰمٌ} (3)، وهو تحية الملائكة وتحية آدم وذريته. 

ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الْآنَ" (4).

_______________________

(1) سورة الزمر، الآية: (73).

(3) صحيح البخاري (رقم: 6227) وصحيح مسلم (رقم: 2841).

ومن فضائل السلام أنه من خير الإسلام، ففي الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ قَالَ تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ" (1).

وهو حق للمسلم على أخيه المسلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ"، وذكر منها: "إِذَا لَقِيتَهُ سَلِّمْ عَلَيْهِ"(2).

وهو سبب عظيم للألفة بين المسلمين والمحبة بين المؤمنين، كما قال صلى الله عليه وسلم: " لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ" رواه مسلم (3).

والمحبة الحاصلة هنا سببها أن كل واحد من المتلاقين يدعو للآخر بالسلامة من الشرور، وبالرحمة الجالبة لكل خير، ولهذا ثبت في المسند وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أَفْشُوا السَّلَامَ تَسْلَمُوا" (4)، أي: تسلموا من كل موجب للفرقة القطيعة، وكيف إذا انضم إلى هذا بشاشة الوجه وحسن الترحيب وجمال الأخلاق.

وعلى المسلم عليه رد التحية بأحسن منها أو مثلها؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍۢ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ ۗ} (5).

_______________________

(1) سبق تخريجه.

(3) المسند (4/ 286)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (رقم: 1087),

(5) سورة: النساء، الآية (86).

وخير الرجلين من يبدأ صاحبه بالسلام، ففي سنن أبي داود عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ" (1). 

وإذا لم يسلم من يطلب منه ابتداء السلام فليسلم الآخر ولا يتركوا السنة.

ومن السنة أن يسلم الصغير على الكبير، والقليل على الكثير، والراكب على الماشي، والماشي على القاعد، ففي الصحيحين عن أبي هُرَيْرَةَ يَقُولُ" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ" وفي رواية للبخاري: "وَيُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ وَالمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ" (2).

وكان صلى الله عليه وسلم يسلم على الصبيان ويبدأهم بالسلام، وهذا من كمال تواضعه، وهو دأب السلف الصالح رحمهم الله، روى مسلم في صحيحه عن يسار قال: "كُنْتُ أَمْشِي مَعَ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ فَمَرَّ بِصِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَحَدَّثَ ثَابِتٌ أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي مَعَ أَنَسٍ فَمَرَّ بِصِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَحَدَّثَ أَنَسٌ أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ بِصِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ" (3). 

ثم إن ابتداء السلام سنة مؤكدة؛ فإن كان المسلم جماعة كفى عنهم واحد، ولو سلموا جميعاً كان أفضل، ورفع الصوت بابتداء السلام سنة ليسمعه المسلم عليهم كلهم سماعاً محققاً لحديث "أَفْشُوا السَّلَامَ بَيِنَّكُم".

_______________________

(1) صحيح البخاري (رقم: 6232، 6234)، وصحيح مسلم (رقم: 2160).

(3) صحيح مسلم (رقم: 2168).

وإن سلم على أيقاظ ونيام خفض صوته بحيث يسمع الأيقاظ ولا يوقظ النيام، وهذا أدب إسلامي رفيع، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجئ من الليل فيسلم تسليماً لا يوقظ نائماً، ويسمع اليقظان. رواه مسلم في صحيحه ضمن حديث طويل (1).

ويسن أن يبدأ بالسلام قبل الكلام لحديث "من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه" رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة (2).

وكلما زاد المسلم من صيغ السلام المأثورة زاد أجره؛ بكل واحدة عشر حسنات، روى أبو داود والترمذي عَنْ عِمْرَانَ: "أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَرَدَّ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ عَشْرٌ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ عِشْرُونَ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَرَدَّ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ ثَلَاثُونَ" (3).

ولا يزي المسلم على هذا كأن يقول: "ومغفرته ومرضاته"؛ لأن السلام المستون انتهى إلى "وبركاته"، ولو كان في الزيادة خبر لدلنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى مالك في الموطأ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ "وَبَرَكَاتُهُ" ثُمَّ زَادَ شَيْئًا مَعَ ذَلِكَ أَيْضًا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَدْ ذَهَبَ

_______________________

(1) عمل اليوم والليلة (رقم: 210)، وحسنه الألباني في الصحيحة (رقم: 816).

(3) سنن أبي داود (رقم: 5195)، وسنن الترمذي (رقم: 2689)، وصححه الألباني - رحمه الله - في صحيح الترغيب (رقم: 2710).

بَصَرُهُ مَنْ هَذَا قَالُوا هَذَا الْيَمَانِي الَّذِي يَغْشَاكَ فَعَرَّفُوهُ إِيَّاهُ قَالَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ السَّلَامَ انْتَهَى إِلَى الْبَرَكَةِ" (1).

ومن أحكام السلام أن يقصر على المعرفة، بل يسلم المسلم على من عرف ومن لم يعرف، وقد مر معنا حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في هذا، وجاء في السنة أن من أشراط الساعة قصر السلام على المعرفة، ففي المسند بسند جيد عن الأسود بن يزيد قال: قال رسول الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ إِذَا كَانَتْ التَّحِيَّةُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ" (2)، وفي رواية: "أَنْ يُسَلِّمَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِلَّا لِلْمَعْرِفَةِ".

ومن أحكام السلام ألا يبدأ اليهود والنصارى بالسلام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ" (3)، وإذا بدؤوا هم بالسلام فإنه يكتفى بالرد عليهم بأن يقال "وعليكم" لما في الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ الْيَهُودُ فَإِنَّمَا يَقُولُ أَحَدُهُمْ السَّامُ عَلَيْكَ فَقُلْ وَعَلَيْكَم" (4).

وأما أهل البدع والأهواء ففي حكم السلام عليهم تفضيل يعلم بمطالعة الأدلة ومعرفة هدي سلف الأمة رحمهم الله، فإذا كان المبتدع كافراً ببدعته وحكم المحققون من أهل العلم بخروجه من الملة، فإنه لا يسلم عليه؛ إذ حكم السلام عليه كحكم السلام على الكفار سواء.

_______________________

(1) المسند (1/ 387) وصححه الألباني - رحمه الله - في الصحيحة (رقم: 648).

(3) صحيح البخاري (رقم: 6257)، وصحيح مسلم (رقم/ 2164).

أما إذا لم يبلغ ببدعته حد الكفر، فالسلام عليه جائز ابتداء ورداً ما دام أن الإسلام - وهو موجب استحقاقه للسلام - موجود فيه، وهكذا الشأن في العصاة من أهل الإسلام.

وإنما يشرع ترك السلام على هؤلاء في بعض الأحوال إذا كان في تركه تحصيل مصلحة راجحة أو دفع مفسدة متحققة، كأن يترك السلام عليهم تأديباً لهم أو زجراً لغيرهم، أو صيانة لنفسه من التأثر بهم أو غير ذلك من المقاصد الشرعية.

وأما التهاجر والتقاطع وترك السلام بلا سبب شرعي فهو أمر لا يحبه الله من عباده، ونسأل الله أن يجمع المسلمين على الحق والهدى، وأن يؤلف بين قلوبهم على البر والتقوى، وأن يهدينا جميعاً سواء السبيل.

التصنيف ما ورد في السلام
المصدر الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ
عدد المشاهدات 0