التصنيفات

ومن السنة أن يقول المسلم عند اشتداد هبوب الريح: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ" لما رواه مسلم في صحيحه عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَصَفَتْ الرِّيحُ [أي اشتد هبوبها] قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ"

لقد مرَّ معنا الأدعية المتعلقة بالاستسقاء، والتي يشرع للمسلم أن يقولها عند قحوط المطر واستئخاره عن أبان نزوله، وما يترتب على ذلك من جفاف الزروع وهلاك في الماشية، وغير ذلك من الأأضرار، وهي دعوات مباركة واستغاثات نافعة برب العالمين وخالق الخلق أجمعين، الذي بيده أزمة الأمور ومقاليد السموات والأرض، الذي أمره لشيء إذا أراده أن يقول له كن فيكون، والدعاء ينبئ عن قوة الافتقار وتحقيق العبودية، ويوجب للعبد خضوعه وخشوعه وشدة انكساره لرب البرية، فكم من دعوة رفع الله بها المكاره وأنواع المضار، ونال بها العبد الخيرات العديدة والبركات المتنوعة وأنواع المسار.

والعبد يدعو الله في أحيانه ويدعو الله في كل شؤونه إذا تأخر المطر دعا الله، وإذا نزل المطر دعا الله، وإذا سمع الرعد ذكر الله، ففقره إلى الله ذاتي، لا غنى له عن ربه وسيده ومولاه طرفة عين، والله عز وجل غني حميد.

وقد تقدم فيما مضى ما يقال في الاستسقاء والاستصحاء، وأما إذا نزل الغيث فإن من السنة أن يقول المسلم عند نزوله: "اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا" لما رواه البخاري عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ قَالَ: "اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا" (1).

وقوله: "صَيِّبًا" منصوب بفعل مقدر، أي: اجعله، والصيب: المطر.
_______________________
(1) صحيح البخاري (رقم: 1052).

وقوله: "نَافِعًا" وصف للصيب، احترز به عن الصيب الضار، وفي هذا دلالة على أن المطر قد يكون نزوله رحمة ونعمة، وهو النافع، وقد يوم نزوله عقوبة ونقمة وهو الضار.

والمسلم يسأل الله عند نزول المطر أن يكون نافعاً غير ضار، وهذا الدعاء المذكور يُستحب بعد نزول المطر للازدياد من الخير والبركة، مقيداً بدفع ما يُخشى ويحذر من ضرر.

ومن الواجب على العبد في هذا المقام الكريم أن يعرف نعمة الله عليه، وينسب الفضل إليه، فهو سبحانه مولي النعم ومُسديها، بيده العطاء والمنع، والخفض والرفع، لا رب سواه ولا إله غيره.

وقد ثبت في الصحيحين عن زيد بن خالد رضي الله عنه قَالَ: "صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلَةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ" (1).

فالقائل عند نزول المطر: مطرنا بفضل الله ورحمته، قد نسب النعمة لمعطيها، وأضاف المنة لموليها، واعتقد أن نزول هذا الفضل والخير والرحمة إنما هو محض نعمة الله وآثار رحمته سبحانه.

وأما القائل عند نزول المطر: مطرنا بنوء كذا وكذا فلا يخلو من أمرين:
_______________________
(1) صحيح البخاري (رقم: 1038)، وصحيح مسلم (رقم: 71)، وقوله: "صلى لنا" أي: "صلى بنا" كما هو لفظ الحديث عند مسلم.

إما أن يعتقد أن المنزل للمطر هو النجم، وهذا كفر ظاهر ناقل من ملة الإسلام، أو يعتقد أن المنزل للمطر هو الله، والنوء سبب، فيضيف النعمة إلى ما يراه سبباً في نزولها وهذا من كفر النعمة وهو من الشرك الخفي.

والأنواء ليست من الأسباب لنزول المطر، وإنما سبب نزول المطر حاجة العباد وافتقارهم إلى ربهم وسؤالهم إياه، واستغفارهم وتوبتهم إليه، ودعاؤهم إياه بلسان الحال ولسان المقال، فينزل عليهم الغيث بحكمته ورحمته بالوقت المناسب لحاجتهم وضرورتهم، ولا يتم توحيد العبد حتى يعترف بنعم الله الظاهرة والباطنة عليه وعلى جميع الخلق، ويضيفها إليه ويستعين بها على عبادته وذكره وشكره (1).

ومن السنة أن يقول المسلم عند اشتداد هبوب الريح: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ" لما رواه مسلم في صحيحه عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَصَفَتْ الرِّيحُ [أي اشتد هبوبها] قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ" (2).

ولا يجوز للمسلم أن يسب الريح؛ فإنها مسخرة بأمر الله مدبرة مأمورة، روى البخاري في الأدب المفرد وأبو داود في السنن عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ قَالَ سَلَمَةُ فَرَوْحُ اللَّهِ تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلَا تَسُبُّوهَا وَسَلُوا اللَّهَ خَيْرَهَا وَاسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا" (3).
_______________________
(1) انظر: القول السديد لابن سعدي (ص: 108- 109).
(2) صحيح مسلم (رقم: 899).
(3) الأدب المفرد (رقم: 906)، وسنن أبي داود (رقم: 5097)، وصححه الألباني - رحمه الله - في صحيح الأدب (رقم: 696).

وقوله: "مِنْ رَوْحِ اللَّهِ" أي من الأرواح التي خلقها الله، فالإضافة هنا إضافة خلق وإيجاد.

وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أم يقول إذا اشتدت الريح: "اللهم لاقحاً لا عقيماً"، لما رواه البخاري في الأدب المفرد عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتدت الريح يقول: "اللهم لاقحاً لا عقيماً" (1)، ومعنى لاقحاً؛ أي: ملقحة للسحاب، ومنه قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَسْقَيْنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمْ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ} (2) أي: وسخرنا الرياح رياح الرحمة تلقح السحاب كما يلقح الذكر والأنثى فينشأ عن ذلك الماء بإذن الله، فيسقيه الله العباد والمواشي والزروع، ويبقى في الأرض مدخراً لحاجتهم وضروراتهم، فله الحمد والنعمة لا شريك له.

وللمسلم أن يسبح عند سماعه الرعد، ففي الأدب المفرد للبخاري عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: "أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ" (3).

وروى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه كان إذا سمع صوت الرعد قال: "سبحان الذي سبحت له" (4).

وفي التسبيح في هذا المقام تعظيم للرب سبحانه الذي الرعد أثر من آثار كمال قوته وقدرته، وفيه تجاوب مع الرعد الذي يسبح بحمد الله، ولكن لا نفقه تسبيحه.
_______________________
(1) الأدب المفرد (رقم: 718)، وصححه الألباني - رحمه الله - في صحيح الأدب (رقم: 553).
(2) سورة: الحجر، الآية: (22).
(3) الأدب المفرد (رقم: 723)، والموطأ (رقم: 1822) وصححه الألباني - رحمه الله - في صحيح الأدب (رقم: 556).
(4) الأدب المفرد (رقم: 722)، وصححه الألباني - رحمه الله - في صحيح الأدب (رقم: 555).

التصنيف ما يُقال عند نزول الغيث
المصدر الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ
عدد المشاهدات 0