التصنيفات

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على الاتباع، وليس لأحد أن يسن منها غير المسنون، ويجعله عادة راتبة يواظب الناس عليها، بل هذا ابتداع دين لم يأذن به الله، بخلاف ما يدعو به المرء أحياناً من غير أن يجعله سنة" (1) اهـ.

تقدم الكلام حول أهمية التقيد بالسنة في الدعاء، وضرورة لزوم هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيه؛ لأن الدعاء عبادة، والعبادة مبناها على التوقيف والاتباع، لا على الهوى والابتداع، وسبق الإشارة إلى أن السنة قد جاء فيها بيان الدعاء وجميع ما يتعلق به بياناً وافياً شافياً لا مزيد عليه بذكر أنواعه وشروطه وآدابه وأوقاته وغير ذلك مما يتعلق به.

ولهذا فإن المتأكد على كل مسلم في هذا الباب العظيم أن يجتهد في طلب هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء، وأن يحرص أشد الحرص على معرفة سبيله فيه، ليقتفي آثاره، وليسير على نهجه، وليلزم طريقته صلوات الله وسلامه عليه.

ولا يجوز لمسلم أن يلتزم أدعية راتبة أو مخصصة بأوقات معينة أو بصفات معينة سوى ما ورد من ذلك من سنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، أما الأدعية العارضة التي تحصل من المسلم بسبب أمور قد تعرض له، فله أن يسأل الله ما شاء فيما لا يتنافي مع الشرع.

ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على الاتباع، وليس لأحد أن يسن منها غير المسنون، ويجعله عادة راتبة يواظب الناس عليها، بل هذا ابتداع دين لم يأذن به الله، بخلاف ما يدعو به المرء أحياناً من غير أن يجعله سنة" (1) اهـ.
_______________________
(1) مجموع مؤلفات شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب "ملحق المصنفات" (ص: 46) في ضمن فوائد عديدة لخصها رحمه الله من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

ولهذا نجد أن الصحابة رضي الله عنهم بادروا إلى إنكار تخصيص هيئات معينة للأذكار والأدعية أو أوقات معينة أو نحو ذلك مما لم يرد به الشرع ولم تثبت به السنة، ومن ذلكم إنكار عبد الله بن الله بن مسعود رضي الله عنه على أولئك النفر الذين تحلقوا في المسجد وفي أيديهم حصى يسبحون بها ويهللون ويكبرون بطريقة محدثة وصفة مبتدعة، لم تكن موجودة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبادرهم بالإنكار ونهاهم عن ذلك أشد النهي، وبين لهم خطورة ذلك وسوء مغبته عليهم، روى الإمام الدارمي رحمه الله بإسناد جيد عن عمرو بن سلمة الهمداني قال: "كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشيناً معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد. قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعاً، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن! إني رأيت في المسجد آنفاً أمراً أنكرته، ولم أر والحمد لله إلا خيراً، قال: فما هو؟ فقال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قوماً حلقاً جلوساً ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة! فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة! فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة! فيسبحون مائة، قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئاً انتظار رأيك قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء. ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن! حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء؛ ويحكم يا أمة محمد! ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد؟ أو مفتتحوا باب ضلالة؟ قالوا: 

والله، يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه" (1).

فتأمل كيف أنكر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على أصحاب الحلقات هؤلاء، مع أنهم في حلقة ذكر ومجلس عبادة لما كان ذكرهم لله وتعبدهم له غير الوارد المشروع، وفي هذا دلالة على أنه ليس العبرة في العبادة والدعاء والذكر كثرته، وإنما العبرة في موافقته للسنة، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه في مقام آخر: "اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة" (2)، وابن مسعود رضي الله عنه لم يُنكر عليهم ذكرهم لله واشتغالهم بذلك، وإنما أنكر عليهم مفارقتهم للسنة في صفة أدائه وكيفية القيام به مع أن الألفاظ التي كانوا يذكرون الله بها ألفاظ صحيحة وردت بها السنة، فكيف الحال بمن ترك السنة في ذلك جملة وتفصيلاً في الألفاظ وصفة الأداء وغير ذلك، كالأوراد التي يقرؤها بعض الناس مما كتبه بعض أشياخ الطرق الصوفية بصيغ مختلفة وأساليب متنوعة مما هو متضمن لأنواع من الباطل وصنوف من الضلال كالتوسلات الشركية والألفاظ البدعية والأذكار المحدثة، ويرتب هؤلاء لأورادهم وظائف محددة وصفات معينة وأوقات ثابتة، وهذا كله ولا ريب من الإحداث في الدين، 
_______________________
(1) سنن الدارمي (1/ 79) (رقم: 204).
(2) انظر: المعجم الكبير للطبراني (10/ 208).

ومن المفارقة لسبيل سيد الأنبياء والمرسلين، والاستعاضة عنه بما أحدثه شيوخ الضلال وأئمة الباطل، وهو تشريع في الدين بما لم يأذن به الله، والله تعالى يقول: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَٰٓؤُا شَرَعُوا لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنۢ بِهِ ٱللَّهُ ۚ} (1)، ثم تجدهم مع ذلك يعظمون أورادهم هذه ويعلون من شأنها، ويرفعون من قدرها، ويقدمونها على الأوراد الصحيحة والأدعية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق وأكملهم ذكراً ودعاءً لربه سبحانه.

قال القاضي عياض رحمه الله: "أذن الله في دعائه، وعلم الدعاء  في كتابه لخليفته، وعلم النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء لأمته، واجتمعت فيه ثلاثة أشياء: العلم بالتوحيد، والعلم باللغة، والنصيحة للأمة، فلا ينبغي لأحد أن يعدل عن دعائه صلى الله عليه وسلم، وقد احتال الشيطان للناس من         هذا المقام، فقيض لهم قوم سوء يخترعون لهم أدعية يشتغلون بها عن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم" (2).

وقال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره الجامع لأحكام القرآن: "فعلى الإنسان أن يستعمل ما في كتاب الله وصحيح السنة من الدعاء ويدع ما سواه، ولا يقول أختار كذا؛ فإن الله قد اختار لنبيه وأوليائه وعلمهم كيف يدعون" اهـ (3).

فالواجب على من أراد لنفسه الفضيلة والسلامة والتمام والرفعة أن يلزم هدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ويتقيد بسنته، ويدع ما أحدثه المحدثون وأنشأه المبطلون مما لا أصل له ولا أساس إلا اتباع الأهواء، والله المستعان وإليه المشتكى وهو حسبنا ونعم الوكيل.
_______________________
(1) سورة الشورى، الآية: (21).
(2) انظر: الفتوحات الربانية لابن علان (1/ 17).
(3) الجامع لأحكام القرآن (4/ 149).

التصنيف التحذير من الأدعية المحدثة
المصدر الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ
عدد المشاهدات 0