التصنيفات


عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ".

الحديث هنا سيكون عن الأذكار التي يقولها المسلم إذا انصرف من صلاته بعد السلام، وقد جاء في هذا أحاديث عديدة.

منها ما رواه مسلم في صحيحه عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ".

قَالَ الْوَلِيدُ - أحد رواة الحديث -: فَقُلْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ: كَيْفَ الْاسْتِغْفَارُ؟ قَالَ: تَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ أَسْتَغْفِرُ اللَّه (1).

قوله: "اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ" السلام اسم من أسماء الله الحسنى التي أمرنا الله بدعائه في قوله: {وَلِلَّهِ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا ۖ} (2)، ومعناه: أي المنزه عن كل عيب وآفة ونقص، وهو سبحانه منزه عن كل ما ينافي صفات كماله، ومنزه عن مماثلة أحد من خلقه، أو أن يكون له ند بوجه من الوجوه.

وقوله: "وَمِنْكَ السَّلَامُ" أي: أن السلامة من المهالك إنما ترجى وتستوهب منك وحدك، ولا ترجى من أحد سواك، وهذا مستفاد من أسلوب الحصر في قوله: "وَمِنْكَ السَّلَامُ" أي: وحدك دون غيرك.
_______________________
(1) صحيح مسلم (رقم: 591).
(2) سورة: الأعراف، الآية (180)

وقوله: "تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ" تباركت: أي تعاليت وتعاظمت، وذا الجلال والإكرام، أي: يا صاحب الجلال والإكرام، وهما وصفان عظيمان للرب سبحانه دالان على كمال عظمته وكبريائه ومجده، وعلى كثرة صفاته الجليلة وتعدد عطاياه الجميلة، مما يستوجب على العباد أن تمتلئ قلوبهم محبة وتعظيماً وإجلالاً له.

والحكمة من الإتيان بالاستغفار بعد الصلاة هي إظهار هضم النفس، وأن العبد لم يقم بحق الصلاة، ولم يأت بما ينبغي لها على التمام والكمال، بل لا بد أن يكون قد وقع في شيء من النقص والتقصير، والمقصر بستغفر لعلع أن يتجاوز عن تقصيره، ويكون في استغفاره جبر لما فيه من نقص أو تقصير.

ثم يشتغل المصلي بعد ذلك بالتهليل، فعَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ كَتَبَ الْمُغِيرَةُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا سَلَّمَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ" رواه البخاري ومسلم (1). 

عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ حِينَ يُسَلِّمُ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ وَلَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ قَالَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ" رواه مسلم (2).

وقوله: "وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ" أي: لا ينفع صاحب الغنى منك غناه وإنما ينفعه طاعته لك وإيمانه بك وامتثاله لأمرك.
_______________________
(1) صحيح البخاري (رقم: 884)، وصحيح مسلم (رقم: 593).
(2) صحيح مسلم (رقم: 594).

وقوله: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" أي: نحن على هذا التوحيد والإخلاص ولو كره الكفار ذلك.

ثم يشرع المسلم بعد ذلك في التسبيحات الواردة التي كان يقولها صلى الله عليه وسلم أدبار الصلوات.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ" (1).

عنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "جَاءَ الْفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنْ الْأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ؛ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ قَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ، إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ، وَتَحْمَدُونَ، وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ" (2).
_______________________
(1) صحيح مسلم (رقم: 597).
(2) صحيح البخاري (رقم: 843)، وصحيح مسلم (رقم: 595).

قال أبو صالح - راوي الحديث عن أبي هريرة -: "تَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ" لكن هذا فهم منه للحديث، والأظهر أن المجموع لكل كلمة من هؤلاء الكلمات بأن نُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَيحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَيُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ كما في حديث أبي هريرة السابق (1).

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "خَصْلَتَانِ - أَوْ خَلَّتَانِ - لَا يُحَافِظُ عَلَيْهِمَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ يُسَبِّحُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا وَيَحْمَدُ عَشْرًا وَيُكَبِّرُ عَشْرًا فَذَلِكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ وَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ وَيَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَيُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فَذَلِكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْقِدُهَا بِيَدِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ قَالَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ يَعْنِي الشَّيْطَانَ فِي مَنَامِهِ فَيُنَوِّمُهُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَهُ وَيَأْتِيهِ فِي صَلَاتِهِ فَيُذَكِّرُهُ حَاجَةً قَبْلَ أَنْ يَقُولَهَا" رواه أبو داود، والترمذي (2).

ويستحب للمسلم أن يقرأ أدبار الصلوات {قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ}، فَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: "أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقْرَأَ الْمُعَوِّذَاتِ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ". رواه أبو داود، والنسائي (3)، والمراد بالمعوذات هذه السور الثلاث، وقد أطلق عليه المعوذات تغليباً (4).
_______________________
(1) انظر: فتح الباري لابن حجر (2/ 328).
(2) سنن أبي داود (رقم: 565)، وسنن الترمذي (رقم: 3410)، وصححه الألباني - رحمه الله - في صحيح الترغيب (رقم: 606).
(3) سنن أبي داود (رقم/ 1523)، وسنن النسائي (رقم: 1336) وصححه الألباني - رحمه الله - في صحيح أبي داود (رقم: 1348).
(4) انظر: فتح الباري لابن حجر (8/ 132).

وأن يقرأ كذلك آية الكرسي لحديث أبي أمامة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ قَرَأ آيَةَ الْكُرْسِيِّ في دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبُةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ". رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (1).

والمراد بقوله: "لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ" أي: لم يكن بينه وبين دخول الجنة إلا الموت.

قال ابن القيم رحمه الله: "بلغني عن شيخنا أبي العباس ابن تيمية - قدس الله روحه - أنه قال: ما تركتها عقيب كل صلاة" (2).

ومن المشروع للمسلم أن يقول أدبار الصلوات ما أوصي به النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل، ففي سنن أبي داود النسائي وغيرهما عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ: يَا مُعَاذُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ فَقَالَ أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ" (3)، وهذا الدعاء هل يقال قبل السلام أو بعده، قولان لأهل العلم واختار شيخ الإسلام أن يقال قبل السلام، والله تعالى أعلم.
_______________________
(1) عمل اليوم والليلة (رقم: 100)، وصححه الألباني - رحمه الله - في صحيح الجامع (رقم: 6464).
(2) زاد المعاد (1/ 304).
(3) سنن أبي داود (رقم: 1522)، وسنن النسائي (رقم: 1303)، وصححه الألباني - رحمه الله - في صحيح أبي داود (رقم: 1347).

التصنيف الأذكار بعد السلام
المصدر الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ
عدد المشاهدات 0