رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا
ما رواه البخاري في صحيحه عن سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (1)، ومدى صوته: أي غايته ومنتهاه.
لقد ورد في شأن الأذان - وهو النداء إلى الصلاة والإعلام بدخول وقتها بألفاظ مخصوصة - نصوص كثيرة في سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم تدل على فضله وعظم شأنه وكثرة منافعه وفوائده، سواء على المؤذن نفسه أو على من يسمع نداءه.
فمن فضائل الأذان ما رواه البخاري في صحيحه عن سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (1)، ومدى صوته: أي غايته ومنتهاه.
وفي الحديث دلالة على أن كل من سمع صوت المؤذن من الإنس أو الجن أو الشجر أو الحجر أو الحيوانات يشهد له بذلك يوم القيامة، وفي هذا دلالة على استحباب رفع الصوت بالأذان ليكثر من يشهد له، ما لم يجهده أو يتأذى به.
ومن فضائل الأذان ما رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا" (2).
والاستهام: الاقتراع، والتهجير: التبكير إلى صلاة الظهر، وقيل: إلى كل صلاة، والعتمة: صلاة العشاء.
_______________________
(1) صحيح البخاري (رقم: 609).
(2) صحيح البخاري (رقم: 615)، وصحيح مسلم (رقم: 427).
ومن فضائل الأذان ما رواه البخاري ومسلم من حديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ [أي: إذا أقيمت الصلاة] حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى" (1).
وقد دل الحديث على أن الأذان يطرد الشيطان، وأنه إذا سمعه ولى هارباً حتى لا يسمع التأذين، فهو حينما يسمعه يهرب نفوراً عن سماعه، فإذا قضي يرجع موسوساً ليفسد على المصلي صلاته.
والنصوص في فضل الأذان كثيرة.
ثم إن المسلم إذا سمع يستحب له أن يقول مثل ما يقول المؤذن؛ لما ثبت في الصحيحين عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ" (2).
وفي صحيح مسلم عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمْ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَإِذَا قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ
_______________________
(1) صحيح البخاري (رقم: 608)، وصحيح مسلم (رقم: 389).
(2) صحيح البخاري (رقم: 611)، وصحيح مسلم (رقم: 383).
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ" (1).
وهذا فيه فضل سماع النداء وترديد كلماته مع المؤذن، بأن يقول مثل قوله في جميع الكلمات إلا قوله: حي على الصلاة، حي على الفلاح، فيقول بدلهما: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ لأن قوله: حي على الصلاة دعوة للناس للمجيء لأداء الصلاة، وقوله: حي على الفلاح دعوة للمجيء لتحصيل ثوابها، وفي قول المسلم عند سماع ذلك "لا حول ولا قوة إلا بالله" طلب العون من الله في تحقيق ذلك.
ثم قوله صلى الله عليه وسلم: "مِنْ قَلْبِهِ" فيه دلالة على اشتراط الإخلاص؛ لأنه أصل لا بد منه في قبول الأعمال والأقوال.
ومن السنة أن يقول المسلم عقب سماعه للشهادتين: وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا؛ لما روى مسلم في صحيحه عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ" (2).
ورواه أبو عوانة في مستخرجه بلفظ: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ رَضِيتُ بِاللَّهِ . . ." الحديث، وهو صريح في أن السماع يقول ذلك بعد جواب المؤذن على الشهادتين، يقوله مرة واحدة (3).
_______________________
(1) صحيح مسلم (رقم: 385).
(2) صحيح مسلم (رقم: 386).
(3) انظر: تصحيح الدعاء للشيخ بكر أبو زيد (ص: 371).
ويستحب للمسلم بعد انتهاء الأذان أن يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يسأل الله له والوسيلة، ومن سأل له الوسيلة حلت له الشفاعة، ففي صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ" (1).
وأفضل صيغ الصلاة عليه الصلاة الإبراهيمية التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم أمته بأن يقول: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللهم بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ".
وروى البخاري في صحيحه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (2).
_______________________
(1) صحيح مسلم (رقم: 384).
(2) صحيح البخاري (رقم: 614).
ثم إن للمسلم بعد ذلك أن يدعو الله لنفسه بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، فإن هذا الموطن من مواطن إجابة الدعاء، فقد روى أبو داود في سننه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْمُؤَذِّنِينَ يَفْضُلُونَنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قُلْ كَمَا يَقُولُونَ، فَإِذَا انْتَهَيْتَ فَسَلْ تُعْطَهْ" (1).
وروى أيضاً عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ" (2).
فهذا جملة ما ورد في هذا الباب، وليحذر المسلم أشد الحذر مما أحدثه الناس مما لم تثبت به سنة ولم يقم عليه دليل، والله تعالى أعلم.
_______________________
(1) سنن أبي داود (رقم: 524)، وصححه الألباني - رحمه الله - في صحيح الجامع (رقم: 4403).
(2) سنن أبي داود (رقم: 521)، وصححه الألباني - رحمه الله - في صحيح الجامع (رقم: 4408).
التصنيف | مَا يَقُولُ إِذَا سَمِعَ الأَذَانَ |
المصدر | الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ |
عدد المشاهدات | 0 |