قال الله تبارك وتعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدْعُونِىٓ أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (1)
عَنْ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ" (1).
لقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أذكار متنوعة يشرع للمسلم أن يقولها عند الاستيقاظ من النوم، وهي في الجملة مشتملة على إعلان التوحيد لله عز وجل، والاستعاذة من الشيطان الرجيم، وحمد الله سبحانه على حفظه للعبد وإعانته له على طاعته وذكره.
ومن هذه الأحاديث ما رواه البخاري في صحيحه عَنْ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ" (1).
وفي هذا الحديث فضل المبادرة إلى ذكر الله عز وجل والثناء عليه سبحانه عند الاستيقاظ من النوم، وأن يكون ذلك أول شيء يفعله المؤمن عند استيقاظه، وهذا إنما يتحقق لمن ألف الذكر وتعود عليه واستأنس به، وغلب عليه حتى صار حديث نفسه في نومه ويقظته، فإنه إذا كان شأنه كذلك فإن أول شيء يفعله عند قيامه من نومه هو المبادرة إلى ذكر ربه سبحانه وتمجيده وحمده والثناء عليه بما هو أهله، ومن كان على هذه الحال فهو حري بأذن الله أن يعطى إذا سأل وأن يستجاب له إذا دعا.
_______________________
(1) صحيح البخاري (رقم: 1154)
قال ابن بطال رحمه الله: "وعد الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أن من استيقظ من نومه لهجا لسانه بتوحيد ربه والإذعان له بالملك والاعتراف بنعمه يحمده عليها، وينزهه عما لا يليق به بتسبيحه والخضوع له بالتكبير والتسليم له بالعجز عن القدرة إلا بعونه، أنه إذا دعاه أجابه، وإذا صلى قبلت صلاته، ينبغي لمن بلغه هذا الحديث أن يغتنم العمل به ويخلص نيته لربه سبحانه" (1). ا هـ.
وقوله في الحديث: "مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ" أي: استيقظ من نومه ليلاً.
وقد بدأ صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكلمات بكلمة التوحيد "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" مؤكداً معناها وما دلت عليه بقوله: "وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ"؛ لأن "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" فيها ركنان عظيمان هما النفي والإثبات، والنفي في قوله: "لَا إِلَهَ" وهو نفي العبودية عن كل من سوى الله والإثبات في قوله: "إِلَّا اللَّهُ"، وهو إثبات للعبودية بكل معانيها لله عز وجل.
وقد أكد هذين الأمرين بقوله: "وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ"، فقوله "وَحْدَهُ" فيه تأكيد للإثبات، وقوله: "لَا شَرِيكَ لَهُ" فيه تأكيد للنفي.
وفي هذا دلالة على أهمية التوحيد والبدء به وتقديمه على ما سواه، والتأكيد على العناية بفهم معناه والقيام بمدلوله وتطبيق مقتضاه.
ثم قال: "لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"، وهذه براهين التوحيد ولائله، فالذي له التوحيد الخالص هو المالك للملك، المستحق للحمد، القدير على كل شيء، ومن سواه لا يستحق من العبادة شيئاً {قُلِ ٱدْعُوا ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ ۖ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍۢ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِى ٱلْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍۢ وَمَا لَهُۥ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍۢ} (2).
_______________________
(1) فتح الباري لابن حجر (3/ 41).
(2) سورة: سبأ، الآية: (22).
ثم قال: "الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ"، فذكر الكلمات الأربع التي هي أحب الكلام إلى الله عز وجل كما في صحيح مسلم من حديث سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ، لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ" (1). وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: "لَأَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ" (2).
والتسبيح فيه تنزيه الله عما لا يليق بجلاله وكماله، والحمد فيه إثبات أنواع الكمال له سبحانه، والتهليل فيه توحيده وإخلاص الدين له، والتكبير فيه تعظيمه سبحانه وأنه لا شيء أكبر منه.
ثم قال: "وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ" وهي كلمة استعانة، الإتيان بها في مثل هذا الوقت مناسب غاية المناسبة؛ لأن الإنسان عندما يقوم من النوم بحاجة إلى همة عالية ونشاط وجد واجتهاد، والمعين على ذلك كله هو الله وحده، وكلمة "لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ" فيها تفويض الأأمر لله عز وجل وتبرؤ من الحول ولا قوة إلا به، وأن العبد لا يملك من أمره شيئاً، ولا حيلة له في دفع شر، ولا قوة له في جلب خير إلا بإرادته سبحانه.
ثم قال: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ" هكذا جاءت الرواية بالشك، ويحتمل أن تكون للتنويع، أي: إن استغفر غفر الله له، وإن دعا أجاب الله دعاءه.
_______________________
(1) صحيح مسلم (رقم: 2137).
(2) صحيح مسلم (رقم: 2695).
ثم قال: "فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ" أي: إن صلى، وقد جاء اللفظ في بهض الروايات لصحيح البخاري هكذا: "فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ"، وفي هذا حث على الجد في الطاعة والنشاط لأداء العبادة، وترك الخمول والتواني والكسل، وقد أخرج الإمام البخاري رحمه الله هذا الحديث في كتاب التهجد من صحيحه، باب: فضل من تعار من الليل فصلى.
أي أن من صلى في ذلك الوقت، وبادر إلى الصلاة في تلك الحال فصلاته حرية بالقبول، والقبول في هذا الموطن أرجى منه في غيره.
وقد أورد الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه لهذا الحديث فائدة لطيفة حول العناية بهذا الذكر، عن أبي عبد الله الفربري الراوي عن البخاري، قال: "أجريت هذا الذكر على لساني عند انتباهي، ثم نمت قأتاني آت [أي: في المنام] فقرأ: {وَهُدُوٓا إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَهُدُوٓا إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلْحَمِيدِ}" (1).
وما من شك أن المحافظة على هذا الذكر من الهداية إلى الطيب من القول ومن الهداية إلى الصراط الحميد، نسأل الله الكريم من فضله.
_______________________
(1) فتح الباري (3/ 41).
التصنيف | أذكار النوم |
المصدر | الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ |
عدد المشاهدات | 0 |