ثبت في صحيح مسلم من حديث عبد الله عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَاجْعَلْ فِي سَمْعِي نُورًا وَاجْعَلْ فِي بَصَرِي نُورًا وَاجْعَلْ أَمَامِي نُورًا وَخَلْفِي نُورًا وَاجْعَلْ عَنْ يَمِينِي نُورًا وَعَنْ شِمَالِي نُورًا وَفَوْقِي نُورًا وَتَحْتِي نُورًا اللَّهُمَّ أَعْظِمْ لِي نُورًا" (1).
ثبت في الصحيحين من حديث الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وَضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ وَقُلْ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ فَإِنْ مُتَّ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ فَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ فَقُلْتُ أَسْتَذْكِرُهُنَّ وَبِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ قَالَ لَا وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ" (1).
لقد أرشد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم المسلم عندما يأوي إلى فراشه لينام إلى جملة من الآداب العظيمة والخصال الكريمة، والتي يترتب على محافظته عليها وعنايته بها آثار حميدة عديدة، منها هدوؤه في نومه وسكونه وراحته، وسلامته من الشرور والآفات، وليصبح من ذلك النوم على نفس طيبة، وهمة عالية، وخير ونشاط.
ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وَضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ وَقُلْ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ فَإِنْ مُتَّ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ فَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ فَقُلْتُ أَسْتَذْكِرُهُنَّ وَبِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ قَالَ لَا وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ" (1).
فهذا الحديث العظيم يشتمل على بعض الآداب التي يحسن بالمسلم أن يحافظ عليها عند نومه، وقد أرشد صلى الله عليه وسلم أول ما أرشد في هذا الحديث من أوى إلى فراشه أن يتوضأ وضوءه للصلاة، وذلك ليكون عند النوم على أكمل أحواله، وهي الطهارة، وليكون ذكره لله عز وجل عند نومه على حال الطهارة، وهي احال الأكمل للمسلم في ذكره لله عز وجل، ثم وجه صلى الله عليه وسلم إلى أن ينام المسلم على شقه الأيمن، وهي أكمل أحوال المسلم في نومه، ثم أرشده صلى الله عليه وسلم وهو على هذه الحال الكاملة أن يبدأ في مناجاة ربه عز وجل بذلك الدعاء العظيم الذي أرشد إليه صلوات الله وسلامه عليه.
_______________________
(1) صحيح البخاري (رقم: 6311)، وصحيح مسلم (رقم: 2710).
وإن مما ينبغي أن يعتنى به المسلم في مثل هذا المقام أن يتأمل معاني الأدعية والأذكار المأثورة؛ ليكون ذلك أكمل له في مناجاته لربه عز وجل ودعائه إياه.
وعندما نتأمل هذا الدعاء العظيم الوارد في هذا الحديث نجد أنه اشتمل من المعاني الجليلة والمقاصد العظيمة على جانب عظيم، يحسن بالمسلم أن يكون مستحضراً لها عند نومه.
وقوله: "اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ" أي: إنني - يا الله - قد رضيت تمام الرضا أن تكون نفسي تحت مشيئتك، تتصرف فيها بما شئت وتقضي فيها بما أردت من إمساكها أو إرسالها، فأنت الذي بيده مقاليد السموات والأرض، ونواصي العباد جميعهم معقودة بقضائك وقدرك تقضي فيهم بما أردت، وتحكم فيهم بما تشاء، لا راد لقضائك ولا معقب لحكمك.
وقوله: "وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ" أي: جعلت شاني كله إليك، وفي هذا الاعتماد على الله عز وجل والتوكل التام عليه، إذ لا حول للعبد ولا قوة إلا به سبحانه وتعالى.
وقوله: "وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ" أي: أسندته إلى حفظك ورعايتك لما علمت أنه لا سند يتقوى به سواك، ولا ينفع أحداً إلا حماك، وفي هذا إشارة إلى افتقار العبد إلى الله جل وعلا في شأنه كله في نومه ويقظته وحركته وسكونه وسائر أحواله.
وقوله: "رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ" أي: إنني أقول ما سبق كله وأنا راغب راهب، أي: راغب تماما الرغبة في فضلك الواسع وإنعامك العظيم، وراهب منك ومن كل أمر يوقع في سخطك، وهذا هو شأن الأنبياء والصالحين من عباد الله يجمعون في دعائهم بين الرغب والرهب، كما قال الله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَٰرِعُونَ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَٰشِعِينَ} (1).
ثم قال صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء: "لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ" أي: لا ملاذ ولا مهرب ولا مخلص من عقوبتك إلا بالفزع إليك والاعتماد عليك، كما قال تعالى: {فَفِرُّوٓا إِلَى ٱللَّهِ ۖ} (2)، وكما قال تعالى: {كَلَّا لَا وَزَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ} (3).
ثم قال: "آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ" أي: آمنت بكتابك العظيم القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباكل من بين يديه ولا من خلفه تنزيب من حكيم حميد، آمنت وأقررت لأنه وحيك وتنزيلك على عبدك ورسولك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه مشتمل على الحق والهدى والنور، وآمنت كذلك بنبيك الذي أرسلت وهو محمد صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله وخيرته من خلقه، المبعوث رحمة للعالمين، آمنت به وبكل ما جاء به، فهو صلى الله الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي، فكل ما جاء به فهو صدق وحق.
_______________________
(1) سورة: الأنبياء، الآية (90).
(2) سورة: الذاريات، الآية (50).
(3) سورة: القيامة، الآيتان (11- 12).
وقوله: "الَّذِي أَرْسَلْتَ" أي: إلى كافة الخلق بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلع الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.
ثم قال صلى الله عليه وسلم مبيناً فضيلة هذا الدعاء وعظم الخير والفضل المترتب عليه "فَإِنْ مُتَّ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ" أي: على الإسلام، فالإسلام هو دين الفطرة، كما قال اله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا ۚ} (1) وقد جاء في بعض روايات هذا الحديث أنه قال: "وإن أصبحت أصبت خيراً" أي: إن لم تمت من ليلتك تلك أصبت في الصباح خيراً، ثواباً لك على اهتمامك بهذا الأمر.
وقد أرشد صلوات الله وسلامه عليه إلى أن يجعل المسلم هذا الدعاء في آخر الدعوات والأذكار التي يقولها المسلم عند نومه، لتكون هذه الكلمات آخر كلام المسلم عند نومه، ولهذا قال: فَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ".
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم للبراء لما ردد الدعاء أمامه من اجل استذكاره: "وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ" دليل على أهمية التقيد بهذه الأذكار حسب ألفاظها الواردة؛ لكمالها في مبناها ومعناها.
فهذا دعاء عظيم ينبغي على المسلم أن يحافظ عليه عند نومه، ويتأمل في دلالاته العظيمة ومعانيه الجليلة؛ ليظفر بعظيم موعود الله لمن حافظ عليه واعتنة به، والله الكريم نسأل أن يوفقنا وإياكم للمحافظة عليه والعناية به، وأن يوفقنا لكل خير يحبه ويرضاه في الدنيا والآخرة.
_______________________
(1) سورة: الروم، الآية (30).
التصنيف | أَذْكَارُ النَّوْمِ وَالاِسْتِيقَاظِ |
المصدر | الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ |
عدد المشاهدات | 0 |