عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرَ يَقُولُ يَتَعَوَّذُ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرَ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَمِنْ الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْنِ وَمِنْ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ وَمِنْ سُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ" (1).
غدَوْنا على عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ يومًا بعدما صلَّيْنا الغداةَ فسلَّمْنا بالبابِ فأذِن لنا فمكَثْنا هُنيهةً فخرَجتِ الخادمُ فقالت: ألَا تدخُلون ؟ قال: فدخَلْنا فإذا هو جالسٌ يُسبِّحُ فقال: ما منَعكم أنْ تدخُلوا وقد أُذِن لكم ؟ فقالوا: لا، إلَّا أنَّا ظننَّا أنَّ بعضَ أهلِ البيتِ نائمٌ قال: ظنَنْتُم بآلِ أمِّ عبدٍ غفلةً ثمَّ أقبَل يُسبِّحُ حتَّى ظنَّ أنَّ الشَّمسَ قد طلَعَت قال: يا جاريةُ انظُري هل طلَعَت ؟ قال: فنظَرَت فإذا هي قد طلَعَت فقال: الحمدُ للهِ الَّذي أقالنا يومَنا هذا - قال مهديٌّ: وأحسَبُه قال - ولم يُهلِكْنا بذنوبِنا قال: فقال رجلٌ مِن القومِ: قرَأْتُ المفصَّلَ البارحةَ كلَّه قال عبدُ اللهِ: هذًّا كهذِّ الشِّعرِ إنِّي لأحفَظُ القرائنَ الَّتي كان يقرَؤُهنَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثمانيةَ عشرَ مِن المفصَّل ِوسورتَيْنِ مِن آلِ حم
الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : ابن حبان | المصدر : صحيح ابن حبان | الصفحة أو الرقم : 2607 | خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه | التخريج : أخرجه البخاري (5043) مختصراً، ومسلم (822) باختلاف يسير
روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي وَائِلٍ شقيق بن سلمة الأسدي قَالَ: "غَدَوْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَوْمًا بَعْدَ مَا صَلَّيْنَا الْغَدَاةَ فَسَلَّمْنَا بِالْبَابِ فَأَذِنَ لَنَا قَالَ فَمَكَثْنَا بِالْبَابِ هُنَيَّةً [أي انتظرنا وتريثنا قليلاً] قَالَ: فَخَرَجَتْ الْجَارِيَةُ فَقَالَتْ: أَلَا تَدْخُلُونَ؟ فَدَخَلْنَا فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ يُسَبِّحُ فَقَالَ مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا وَقَدْ أُذِنَ لَكُمْ فَقُلْنَا لَا إِلَّا أَنَّا ظَنَنَّا أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْبَيْتِ نَائِمٌ قَالَ ظَنَنْتُمْ بِآلِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ غَفْلَةً؟ [يعني نفسه فإن أم عبد الهذلية أمه، وهي صحابية رضي الله عنه وعنها] قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ يُسَبِّحُ حَتَّى ظَنَّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ طَلَعَتْ فَقَالَ يَا جَارِيَةُ انْظُرِي هَلْ طَلَعَتْ قَالَ فَنَظَرَتْ فَإِذَا هِيَ لَمْ تَطْلُعْ فَأَقْبَلَ يُسَبِّحُ حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ طَلَعَتْ قَالَ يَا جَارِيَةُ انْظُرِي هَلْ طَلَعَتْ فَنَظَرَتْ فَإِذَا هِيَ قَدْ طَلَعَتْ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَقَالَنَا يَوْمَنَا هَذَا فَقَالَ مَهْدِيٌّ وَأَحْسِبُهُ قَالَ وَلَمْ يُهْلِكْنَا بِذُنُوبِنَا" (1).
إن هذا الأثر يعطي المتأمل صورة واضحة ودلالة ناصعة على تلك الحياة الجادة والهمة العالية والاستثمار للوقت عند السلف الصالح رحمهم الله، ولا سيما الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، مع فقه منهم بالأوقات ومعرفة لأقدارها والفاضل منها، وإعطاء كل ذي حق حقه.
فهذا الوقت الذي دخل فيه أبو وائل - رحمه الله - ومن معه على عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه وقت مبارك وثمين للغاية، وهو وقت ذكر لله وجد ونشاط وهمة في الخير، إلا أن كثير من الناس يُهملونه ويفرِّطون فيه ولا يعرفون له مكانته وقدره، فهو ضاءع إما في النوم، أو في الكسل والفتور، أو
_______________________
(1) صحيح مسلم (1/ 564).
بشغله في التوافه من الأمور، مع أن أول اليوم بمنزلة شبابه، وآخره بمنزلته شيخوخته (1)، ومن شب على شيء شاب عليه، ولهذا فإن ما يكون من الإنسان في باكورة اليوم وأوله ينسحب على بقية يومه، إن نشاطاً، وإن كيلاً فكسل، ومن أمسك بزمام اليوم وهو أوله سمل له يومه كله بإذن الله وأعين فيه على الخير، وبورك له فيه، وقد قيل: "يومك مثل جملك إن أمسكت أوله تبعك آخره"، وهذا المعنى مستفاد من أثر ابن مسعود المتقدم، فإنه رضي الله عنه لما تحقق له حفظ أول اليوم بالذكر قال: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَقَالَنَا يَوْمَنَا هَذَا وَلَمْ يُهْلِكْنَا بِذُنُوبِنَا".
بل إن المحافظة على الذكر في هذا الوقت يعطي الذاكر همة وقوة ونشاطاً في يومه كله، يقول ابن القيم رحمه الله: "حضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة صلى صلى الفجر، ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار، ثم التفت إلي وقال: هذه غدوتي، ولو لم أتغد هذا الغذاء سقطت قوتي، أو كلاماً قريباً من هذا". ا هـ (2).
وقد ثبت في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الله أن يبارك لأمته في هذا الوقت، فقد روى أبو داود والترمذي والدارمي وغيرهم عن صخر بن وداعة الغامدي رضي الله عنه أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِرًا وَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ" (3).
_______________________
(1) مفتاح دار السعادة لابن القيم (2/ 216).
(2) الوابل الصيب (ص: 85- 86).
(3) سنن أبي داود (رقم: 2606)، وسنن الترمذي (رقم: 1212).
وقد روى هذا الحديث جمع من الصحابة، منهم علي بن أبي طالب، وابن عباس، وابن مسعود، وابن عمر، وأبو هريرة، وأنس بن مالك، وعبد الله ابن سلام، والنواس بن سمعان، وعمران بن حصين، وجابر بن عبد الله وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين (1)، وهو حديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ونظراً لأهمية هذا الوقت وعظم بركته وكثرة ما فيه من خير، فإن السلف رحمهم الله كانوا يكرهون النوم فيه وإضاعته بالكسل والعجز، يقول ابن القيم رحمه الله - وهو العلامة المربي - في كتابه مدارج السالكين: "ومن المكروه عندهم - أي السلف رحمهم الله - النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس؛ فإنه وقت غنيمة، وللسير ذلك الوقت عند السالكين مزية عظيمة، حتى لو ساروا طول ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتى تطلع الشمس، فإنه أول النهار ومفتاحه، ووقت نزول الأرزاق، وحصول القسم، وحلول البركة، ومنه ينشأ النهار، وينسحب حكم جميعه على حكم تلك الحصة، فينبغي أن يكون نومها كنوم المضطر" اهـ (2).
ومن الآثار الواردة عن السلف - رحمهم الله - في هذا المعنى ما روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه رأى ابناً له نائماً نومة الصبحة، فقال له: "قم، أتنام في الساعة التي تقسم فيه الأرزاق" (3).
_______________________
(1) انظر: صحيح الترغيب والترهيب (2/ 308).
(2) مدارج السالكين (1/ 459).
(3) أورده ابن القيم في زاد المعاد (4/ 241).
وروى عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: "النوم على ثلاثة أوجه، نوم خرق، ونوم خلق، ونوم حمق؛ فأما النوم الخرق فنومة الضحى يقضي الناس حوائجهم وهو نائم، وأما النوم الخلق فنوم القائلة نصف النهار، وأما نوم الحمق فنوم حين تحضر الصلاة" (1).
يقول العلامة ابن القيم - رحمه الله - في كتابه زاد المعاد: "ونوم الصبحة يمنع الرزق؛ لأن ذلك وقت تطلب فيه الخليقة أرزاقها، وهو وقت قسمة الأرزاق، فنومه حرمان إلا لعارض أو ضرورة، وهو مضر جداً بالبدن لإرخائه البدن، وإفساده للفضلات التي ينبغي تحليلها بالرياضة، فيحدث تكسراً وعياً وضعفاً، وإن كان قبل التبرز والحركة والرياضة وإشغال المعدة بشيء فذلك الداء العضال المولد لأنواع من الأدواء" ا هـ (2). وقد ذكر نحواً من هذا العلامة ابن مفلح - رحمه الله - في كتابه الآداب الشرعية (3).
وبهذا يتبين قيمة هذا الوقت المبارك وعظم نفعه، وأنه وقت جد ونشاط، وذكر لله عز وجل، وهو وقت نزول الأرزاق، وحصول القسم، وحلول البركة، وقد كان للسلف - رحمهم الله - معه شأن عظيم؛ إذ أدركوا أهميته وقيمته، ولغيرهم معه شأن آخر.
نسأل الله أن يُلهمنا رشد أنفسنا، وأن يوفقنا جميعاً لكل خير، وأن يرزقنا اتباع نهج السلف الصالح وسلوك سبيلهم.
_______________________
(1) رواه البيهقي في الشعب (4/ 182)، وأورده ابن مفلح في الآداب الشرعية (3/ 162).
(2) زاد المعاد (4/ 242).
(3) (3/ 162).
التصنيف | فضل الصباح وبركته |
المصدر | الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ |
عدد المشاهدات | 0 |