عن عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اشْتَكَى الْإِنْسَانُ الشَّيْءَ مِنْهُ، أَوْ كَانَتْ بِهِ قَرْحَةٌ أَوْ جُرْحٌ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِصْبَعِهِ هَكَذَا - وَوَضَعَ سُفْيَانُ سَبَّابَتَهُ بِالْأَرْضِ ثُمَّ رَفَعَهَا - "بِاسْمِ اللَّهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا بِرِيقَةِ بَعْضِنَا لِيُشْفَى بِهِ سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا" (1).
حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (1)، وَقَالَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَٱشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (2)، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ" (3) .
إن من الأحاديث العظيمة الجامعة لذكر آداب الدعاء وشروطه وموانع قبوله ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (1)، وَقَالَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَٱشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (2)، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ" (3) .
هذا الحديث يعد من جوامع كلم الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد جمع فيه صلوات الله وسلامه عليه جملة طيبة من آداب الدعاء وشروط قبوله، والأمور المانعة من القبول، وقد بدأه عليه الصلاة والسلام بالإشارة إلى خطورة أكل الحرام، وأنه مانع من موانع قبول الدعاء، ومفهوم المخالفة لذلك أن إطابة المطعم سبب من أسباب قبول الدعاء، كما قال وهب ابن منبه رحمه الله: "من سره أن يستجيب الله دعوته فليطيب طعمته"،
_______________________
(1) سورة المؤمنون، الآية: (51).
(2) سورة البقرة، الآية: (172).
(3) صحيح مسلم (رقم: 1015).ولما سئل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه تستجاب دعوتك من بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "ما رفعت إلى فمي لقمة إلا وأنا عالم من أين مجيئها ومن أين خرجت" (1).
أما من استمرأ - والعياذ بالله - أكل الحرام وشربه ولبسه والتغذي به، فإن فعله هذا يكون سبباً موجباً لعدم إجابة دعوته، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث: "فأنى يستجاب لذلك"، أي كيف يستجاب له، فهو استفهام وقع على وجه التعجب والاستبعاد، وقد يكون أيضاً ارتكاب المحرمات الفعلية مانعاً من الإجابة، وكذلك ترك الواجبات، كما قال بعض السلف: "لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طرقها بالمعاصي" (2).
ولهذا فإن توبة العبد إلى ربه، وبعده عن معاصيه، وإقباله على طاعته وعبادته، وإطابته لمطعمه ومشربه وملبسه وانكساره بين يديه، وذله وخضوعه له سبحانه كل ذلك من موجبات القبول ومن أسباب إجابة الدعاء، وأ ضداد ذلك من موجبات الرد.
لقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم أربعة أسباب عظيمة لقبول الدعاء تقتضي إجابته:
_______________________
(1) أوردهما ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/ 275).
(2) شعب الإيمان للبيهقي (2/ 54)
أحدهما: إطالة السفر، والسفر بمجرده يقتضي إجابة الدعاء، كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ : دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ"، رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي بإسناد حسن، ولفظ الترمذي: "وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ" (1)، ومتى طال السفر كان أقرب إلى إجابة الدعاء؛ لأنه مظنة حصول انكسار النفس بطول الغربة عن الأوطان وتحمل المشاق، والانكسار من أعظم أسباب إجابة الدعاء.الثاني: أن يكون متواضعاً متذللا مستكيناً، فهذا أيضاً من مقتضيات الإجابة كما في الحديث المشهور عن النبي صلى عليه وسلم: "رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره" (2)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما لما سئل عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء؟ قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مُتَبَذِّلًا مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا. . ."، والحديث رواه أبو داود وغيره (3).
الثالث: مد اليدين إلى السماء، وهو من آداب الدعاء التي يرجى بسببها إجابته، ففي سنن أبي داود وغيره عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ" (4).
_______________________
(1) سنن أبي داود (رقم: 1536)، وسنن ابن ماجه (رقم: 3862)، وسنن الترمذي (رقم:: 1905)، وحسنه العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة (رقم: 596).
(2) صحيح مسلم (2622).
(3) سنن أبي داود (رقم: 1165)، وسنن الترمذي (رقم: 558)، وحسنه العلامة الألباني في الإرواء (3/ 133).
(4) سنن أبي داود (رقم: 1488)، وسنن الترمذي (رقم: 3556)، وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (رقم: 1753).الرابع: الإلحاح على الله بتكرير ذكر ربوبيته، وهو من أعظم ما يطلب به إجابة الدعاء، روي عن عطاء أنه قال: "ما قال عبد يا رب يا رب ثلاث مرات إلا نظر الله إليه، فذكر ذلك للحسن فقال: أما تقرؤون القرآن؟ ثم تلا قوله تعالى: {ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَٰطِلًا سُبْحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُۥ ۖ وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنْ أَنصَارٍۢ رَّبَّنَآ إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِى لِلْإِيمَٰنِ أَنْ ءَامِنُوا بِرَبِّكُمْ فَـَٔامَنَّا ۚ رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّـَٔاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلْأَبْرَارِ رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّى لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٍۢ مِّنكُم} (1)" (2).
ولهذا فإن غالب الأدعية المذكورة في القرآن مفتتحة باسم الرب، ولهذا لما سئل مالك رحمه الله عمن يقول في الدعاء يا سيدي، قال: "يقول: يا رب كما قالت الأنبياء في دعائهم" (3).
فهذه أربعة أسباب عظيمة لإجابة الدعاء انتظمها قول النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الرَّجُلَ "يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ"، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَكيف يُسْتَجَابُ لمن كانت هذه حاله.
ولهذا فليتق الله عبد الله المؤمن في طعامه وشرابه وسائر شؤونه، وليستعين بالله على ذلك، فالتوفيق بيده وحده، فنسأله سبحانه أن يرزقنا الرزق الطيب الحلال، والدعوة الصالحة المستجابة، إنه نعم الموجو ونعم المعين.
_______________________
(1) سورة آل عمران، الآيات: (191-195).
(2) حلية الأولياء (3/ 313).
(3) انظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب (ص: 98 -101).
التصنيف | أربعة أسباب لإجابة الدعاء |
المصدر | الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ |
عدد المشاهدات | 0 |