وعن سعد بن أبي وقاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ قال: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ" فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ: "يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ"، فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ (2) عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ" (1).
روى أبو داود والترمذي وغيرهما عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "عَلَّمَنَا خُطْبَةَ الْحَاجَةِ؛ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ يَقْرَأُ ثَلَاثَ آيَاتٍ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
النكاح منة من الله عظيمة على عباده، يتحقق به من المنافع والمصالح والفوائد ما لا يعد ولا يحصى، وهو من سنن الأنبياء والمرسلين، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَٰجًا وَذُرِّيَّةً ۚ} (1).
وقد ذكره الله تعالى في معرض التفضل والامتنان في آيات عديدة من القرآن، قال الله تعالى: { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ ۚ} (2)، وقال تعالى: {وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَآيَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ} (3).
والقرآن الكريم فيه آيات عديدة فيها الأمر بالنكاح، والترغيب فيه، وبيان آثاره وثماره، وبيان الحقوق المتعلقة به، كحسن العشرة، والصحبة بالمعروف، وكف الأذى، ونحو ذلك من الضوابط والحقوق، مما يحقق للزوجين حياة طيبة وعشرة صالحة.
وقد جاء في السنة النبوية أذكار نافعة تتعلق بعقد النكاح، وبالتهنئة به للزوجين، وعند الدخول بالزوجة، وعند الجماع؛ يترتب على المحافظة عليها والعناية بها فوائد عديدة، وآثار مباركة تعود على الزوجين في حياتهما الزوجية بالخير والنفع والبركة.
_______________________
(1) سورة: الرعد، الآية (38).
(2) سورة: النحل، الآية (72).
(3) سورة: الروم، الآية (21).
فأما الذكر عند عقد النكاح، فقد روى أبو داود والترمذي وغيرهما عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "عَلَّمَنَا خُطْبَةَ الْحَاجَةِ؛ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ يَقْرَأُ ثَلَاثَ آيَاتٍ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (1).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (2).{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (3)" (4).
وهي خطبة عظيمة وذكر مبارك يستحب الإتيان به عند عقد النكاح، وهو مشتمل على معان عظيمة ودلالات جليلة، ففيه حمد الله والاستعانة به وحده، وطلب مغفرته، والتعوذ به من شرور النفس وسيئات الأعمال، والإيمان بقضائه وقدره، والشهادة له سبحانه بالوحدانية ولنبيه بالرسالة، مع الوصية بتقوى الله عز وجل وتذكر فضله ونعمته ولزوم طاعته سبحانه، فهي من جوامع الكلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فهذه الخطبة عقد نظام الإسلام والإيمان" (5).
_______________________
(1) سورة: النساء، الآية (1).
(2) سورة: آل عمران، الآية (102).
(3) سورة: الأحزاب، الآيتان (70- 71).
(4) سنن أبي داود (رقم: 2118)، وسنن الترمذي (رقم: 1105)، وصححه الألباني - رحمه الله - في كتابه: خطبة الحاجة.
(5) مجموع الفتاوى (14/ 223).
أي: أنها جمعت مع وجازتها ما ينتظم به أمر الإسلام والإيمان من الاعتقادات الصحيحة القويمة، والأعمال الصالحة المستقيمة.ومما ينبه عليه في هذا المقام أنه لم يرد دليل على مشروعية قراءة الفاتحة عند العقد، حلافاً لما يفعله كثيراً من عوام المسلمين.
وأما التهنئة للزوجين بالنكاح، فقد جاءت السنة بأن يدعى لهما بالبركة، وأن يجمع الله بينهما في خير.
ففي الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا قَالَ زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ" (1).
وروى الترمذي وأبو داود وغيرهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَفَّأَ الْإِنْسَانَ إِذَا تَزَوَّجَ قَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ" (2).
وقوله: "إِذَا رَفَّأَ الْإِنْسَانَ إِذَا تَزَوَّجَ" أي: إذا هنأه ودعا له بمناسبة زواجه، وكان الناس في الجاهلية يقولون للمتزوج: "بالرفاءء والبنين"، فنهى صلى الله عيه وسلم عن ذلك، وقولهم: "بالبنين" يتوافق مع ما جرت عليه عادتهم من الراهية للإناث والتنفير منهن، وعدم الرغبة في مجيئهن، وفي قولهم هذا تأكيد لهذه الكراهة والبغضاء، فنهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأرشد إلى هذه الدعوة المباركة المشتملة على الدعاء لهما بالبركة، وأن يجمع الله بينهما في خير.
_______________________
(1) صحيح البخاري (رقم: 5155)، وصحيح مسلم (رقم: 1427).
(2) سنن أبي داود (رقم: 2130)، وسنن الترمذي (رقم: 1091)، وصححه الألباني - رحمه الله - في صحيح الجامع (رقم: 4729).
وأما ما يقوله الزوج إذا دخل على زوجته ليلة الزفاف، فقد روى أبو داود وابن ماجه عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً أَوْ اشْتَرَى خَادِمًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ وَإِذَا اشْتَرَى بَعِيرًا فَلْيَأْخُذْ بِذِرْوَةِ سَنَامِهِ وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ" (1).وقوله: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا" أي: خير هذه المرأة كحسن املعاشرة وحفظ الفراش والأمانة في المال ورعاية حق الزوج، ونحو ذلك.
وقوله: "وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ" أي: خير ما خلقتها عليه من الأخلاق الحسنة والطباع المرضية والسجايا الكريمة.
وقوله: "وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ" فيه التعوذ بالله والالتجاء إليه، بأن يقيه ويسلمه مما فيها من شر في خلقها وتعاملها ومعاشرتها وسجاياها.
وهذا فيه دلالة على أن صلاح أمر الزوجين والتئام شملهُما لا يتحقق إلا بالالتجاء إلى الله، والاعتماد عليه، وسؤاله وحده العون والتوفيق والصلاح.
وأما ما يقوله إذا أراد أن يأتي أهله، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
_______________________
(1) سنن أبي داود (رقم: 2160)، وسنن ابن ماجه (رقم: 1918)، وحسنه الألباني - رحمه الله - في صحيح ابن ماجه (رقم: 1557)."لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَقُولُ حِينَ يَأْتِي أَهْلَهُ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا ثُمَّ قُدِّرَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ أَوْ قُضِيَ وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا" (1).
والحكمة في ذلك أن الشيطان له مشاركة في الأموال والأولاد، كما في قوله تعالى: {وَشَارِكْهُمْ فِى ٱلْأَمْوَٰلِ وَٱلْأَوْلَٰدِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا} (2)، فإذا دعا المسلم بهذه الدعوة سلم من هذه المساركة ووقي من شره.
وقد جاء في السنة كذلك تعويذ الأبناء للحفظ من الشيطان، ففي البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ" (3).
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالأنباء الدعاء لهم بالبركة، ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنَها عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِلى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ حَنَّكَهُ بِالتَّمْرَةِ ثُمَّ دَعَا لَهُ فَبَرَّكَ عَلَيْهِ وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ" (4). أي: أول مولود ولد بالمدينة من المهاجرين.
_______________________
(1) صحيح البخاري (رقم: 5165)، وصحيح مسلم ({قم: 1434).
(2) سورة: الإسراء، الآية (64).
(3) صحيح البخاري (رقم: 3371).
(4) صحيح البخاري (رقم: 3909)، وصحيح مسلم (رقم: 2146).
التصنيف | ذِكْرُ النكاح والتهنئة به والدخول بالزوجة، والذَّكر المتعلق بالأبناء |
المصدر | الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ |
عدد المشاهدات | 0 |