النُّوْعُ الأَوَّلُ: قول: "سُبْحَانَ اللَّهِ" (10) مرات، و "الحَمْدُ لِلهِ" (10) مرات و" اللهُ أَكْبَرُ" (10) مرات المجموع (30): عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو؛ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "خَصْلَتَانِ لَا يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَهُمَا يَسِيرٌ؛ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ" قَالُوا: وَمَا هُمَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: "يُسَبِّحُ أَحَدُكُمْ عَشْرًا وَيُكَبِّرُ عَشْرًا وَيَحْمَدُ عَشْرًا فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ؛ فَتِلْكَ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ. . ." الحديث (1).
ما رواه أبو داود والترمذي وغيرهما عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَزَا قَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي بِكَ أَحُولُ وَبِكَ أَصُولُ وَبِكَ أُقَاتِلُ"
لقد جاء في السنة أذكار وأدعية يقولها المسلم عند لقائه العدو أو ذي السلطان الجائر، وهي في الجملة التجاء إلى الله واعتصام به واعتماد عليه سبحانه في أن يقيه شرهم، ويسلمه منهم، ويحفظه من كيدهم ومكرهم، والله عز وجل حافظ لمن لجأ إليه وكاف من اعتصم به؛ إذ الأمور كلها بيده، وما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها.
ومن الأذكار التي جاءت بها السنة عند لقاء العدو ما رواه أبو داود والترمذي وغيرهما عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَزَا قَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي بِكَ أَحُولُ وَبِكَ أَصُولُ وَبِكَ أُقَاتِلُ" (1).
وقوله: "اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي" أي: عوني فلا معين لي سواك ولا ملجأ لي غيرك، بك وحدك أستعين، وإليك وحدك ألتجئ.
وقوله: "وَنَصِيرِي" أي لا ناصر لي سواك، ومن كان الله ناصره فلا غالب له، كما قال تعالى: {إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا ٱلَّذِى يَنصُرُكُم مِّنۢ بَعْدِهِۦ ۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ} (2).
وقوله: "بِكَ أَحُولُ" أي أحتال، ومنه قولك "لا حول ولا قوة إلا بالله" أي لا حيلة في دفع سوء ولا قوة في درك خير إلا بالله.
_______________________
(1) سنن أبي داود (رقم: 2632) والترمذي (رقم: 3584)، وصححه الألباني - رحمه الله - في صحيح الجامع (رقم: 4757).
(2) سورة: آل عمران، الآية (160).وقوله: "وَبِكَ أَصُولُ" أي بك أحمل على العدو، من الصولة وهي الحملة.
وقوله: "وَبِكَ أُقَاتِلُ" أي بعونك أقاتل عدوي.ومن الأدعية في هذا المقام ما رواه أبو داود عَن أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَافَ مِنْ رَجُلٍ أَوْ مِنْ قَوْمٍ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ" (1).
وقوله: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ" أي في نحر العدو بأن تكون حافظاً لنا، ومدافعا عنا، وحائلاً بينه وبيننا من أن يصلوا إلأينا بأي نوع من الأذى، وخص نحورهم بالذكر؛ لأن العدو يستقبل بنحره عند القتال، ولعل في ذكر النحر تفاؤلاً بأن المؤمنين يتحرونهم عن آخرهم يمد من الله وعون.
وقوله: "وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ" أي من أن ينالونا بأي نوع من الشر، فأنت الذي تدفع شرورهم وتكفينا أمرهم وتحول بيننا وبينهم.
ومما يشرع للمسلم أن يقوله في مثل هذا المقام "حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ" ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (2) " (3).
_______________________
(1) سنن أبي داود (رقم: 1537)، وصححه الألباني - رحمه الله - في صحيح الجامع (رقم: 4706).
(2) سورة: آل عمران، الآية (173).
(3) صحيح البخاري (رقم: 4563).
ومعنى "حَسْبُنَا اللَّهُ" أي: كافينا كل ما أهمنا، فلا نتوكل إلا عليه ولا نعتمد إلا عليه كما قال سبحانه: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُۥٓ ۚ} (1) أي: كافيه كما قال: {أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُۥ ۖ } (2)وقوله: "وَنِعْمَ الْوَكِيلُ" أي: نعم المتوكل عليه في جلب النعماء ودفع الضر والبلاء، كما قال تعالى: {وَٱعْتَصِمُوا بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلَىٰكُمْ ۖ فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ} (3).
وقد تضمنت هذه الكلمة العظيمة التوكل على الله والاعتماد عليه والالتجاء إليه سبجانه، وأن ذلك سبيل عز الإنسان ونجاته وسلامته، وقال ابن القيم رحمه الله: "وهو حسب من توكل عليه، وكافي من لجأ إليه، وهو الذي يؤمن خوف الخائف، ويجير المستجير، وهو نعم المولى ونعم النصير، فمن تولاه واستنصر به وتوكل عليه وانقطع بكليته إليه تولاه وحفظه وحرسه وصانه، ومن خافه واتقاه أمنه مما يخاف ويحذر، وجلب إليه كل ما يحتاج إليه من المنافع {وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُۥٓ} (4)، فلا تستبطئ نصره ورزقه وعافيته، فأن الله بالغ أمره، وقد جعل الله لكل شيء قدراً، لا يتقدم عنه ولا يتأخر" (5).
ثم إن فينا تقدم دلالة على عظم شأن هذه الكلمة وأنها قول إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام في الشدائد.
_______________________
(1) سورة الطلاق، الآية (3).
(2) سورة: الزمر، الآية (36).
(3) سورة: الحج، الآية (78).
(4) سورة: الطلاق، الآيتان (2-3).
(5) بدائع الفوائد (2/ 237- 238).
فإبراهيم عليه الصلاة والسلام لما أفحم قومه وبين لهم الحجج القاطعة والبراهين الساطعة أن المعبود بحق هو الله، وأن ما يعبدونه من دونه إنما هي أوثان لا تملك لعابديها جلب نفع ولا دفع ضر، {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْـًٔا وَلَا يَضُرُّكُمْ أُفٍّۢ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (1)، فلما أفحج القوم ولم يكن لديهم أي حجة يقاومونه بها لجأوا إلى استعمال القوة و {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوٓا ءَالِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَٰعِلِينَ} (2)، وقد دلت كلمتهم هذه على إفلاسهم من الحجج والبراهين، وعلى شدة سفههم وحقارة عقولهم، إذ كيف يعبدون من أقروا أنه يحتاج إلى نصرهم، ثم إنهم أججوا ناراً عظيمة وألقوا فيها نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام قاصدين قتله بأشنع القتلات، فقال عليه السلام حين ألقي في النار: "حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ"، فانتصر اله لخليله، وقال للنار: {كُونِى بَرْدًا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبْرَٰهِيمَ} (3)، فكانت كذلك برداً وسلاماً عليه لم ينله فيها أذى، ولم يصبه فيها مكروه.ومحمد صلى الله عليه وسلم قالها حين قالوا: {إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ} (4)، وذلك بعد ما كان من أمر أحد ما كان، بلغ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أن أبا سفيان ومن معه من المشركين قد أجمعوا الكرة عليهم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ومعه جمع من أصحابه حتى انتهى إلى حمراء الأسد - وهي تبعد عن المدينة قدر ثلاثة أميال - فألقى الله الرعب في قلب أبي سفيان حين بلغه الخبر،
_______________________
(1) سورة: الأنبياء، الآيتان (66- 67).
(2) سورة: الأنبياء، الآية (68).
(3) سورة: الأنبياء، الآية (69).
(4) سورة: آل عمران، الآية (173).
فرجع إلى مكة، ومر به ركب من عبد قيس فقال: أين تريدون؟ قالوا: نريد المدينة، قال: فهل أنتم مبلغون عني محمداً رسالة أرسلكم بها إليه؟ قالوا: نعم، قال: فإذا وافيتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه وإلى أصحابه؛ لنستأصل بقيتهم، يريد بذلك إرعابهم وإخافتهم، فمر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد فأخبروه بالذي قاله أبو سفيان وأصحابه فقال: {حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ} (1)، وازداد إيمانهم بالله وثثتهم به، ورجعوا إلى المدينة دون أن يصابوا بسوء أو أذى، بخلاف المشركين الذين رجعوا وقلوبهم ممتلئة خوفاً ورعباً.يقول الله تعالى: {ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِنۢ بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَٱتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَٰنًا وَقَالُوا حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ فَٱنقَلَبُوا بِنِعْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍۢ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوٓءٌ وَٱتَّبَعُوا رِضْوَٰنَ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} (2).
وفي هذا أن التوكل على الله أعظم الأسباب في حصول الخير ودفع الشر في الدنيا والآخرة (3).
_______________________
(1) سورة: آل عمران، الآية (173).
(2) سورة: آل عمران، الآية (172- 174).
(3) انظر: تيسير العزيز الحميد (ص: 502 - 505).
التصنيف | ما يقال عند لقاء العدو |
المصدر | الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ |
عدد المشاهدات | 0 |