عن عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اشْتَكَى الْإِنْسَانُ الشَّيْءَ مِنْهُ، أَوْ كَانَتْ بِهِ قَرْحَةٌ أَوْ جُرْحٌ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِصْبَعِهِ هَكَذَا - وَوَضَعَ سُفْيَانُ سَبَّابَتَهُ بِالْأَرْضِ ثُمَّ رَفَعَهَا - "بِاسْمِ اللَّهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا بِرِيقَةِ بَعْضِنَا لِيُشْفَى بِهِ سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا" (1).
عن أم المؤمنين أم سلمة هند المخزومية زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها قالت: مَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْتِي قَطُّ إِلَّا رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ" (1).
لقك مرَّ معنا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يُواظب عليه صلى الله عليه وسلم كل ما خرج من منزله، وذلك في الحديث الذي رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما عن أم المؤمنين أم سلمة هند المخزومية زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها قالت: مَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْتِي قَطُّ إِلَّا رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ" (1).
وكلامها رضي الله عنها في أول هذا الحديث فيه دلالة ظاهرة على مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على قول هذا الدعاء في كل مرة يخرج فيها صلوات الله وسلامه عليه من منزله، وفي هذا دلالة على أهمية مواظبة المسلم على هذا الدعاء في كل مرة يخرج فيها من منزله تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك الخير والبركة والسلامة والغنيمة.
وقولها رضي الله عنها: "إِلَّا رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ" فيه دلالة على علو الله على خلقه، وأن الرب الذي ندعوه ونسأله ونرجوه مستوٍ على عرشه بائن من خلقه، كما قال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَىِّ ٱلَّذِى لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِۦ ۚ وَكَفَىٰ بِهِۦ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرًا ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ۚ ٱلرَّحْمَٰنُ فَسْـَٔلْ بِهِۦ خَبِيرًا} (2).
_______________________
(1) سبق تخريجه.
(2) سورة: الفرقان، الآيات: (58- 59).
فرفع الطرق إلى السماء فيه إيمان بعلو الله، كما أن رفع الأيدي إلى السماء فيه إيمان بعلو الله عز وجل، قال حافظ المغرب أبو عمر بن عبد البر في كتابه التمهيد وهو بصدد ذكره الأدلة على علو الله: "ومن الحجة أيضاً في أنه عز وجل على العرش فوق السموات السبع أن الموحدين أجمعين من العرب والعجم إذا كربهم أمر أو نزلت بهم شدة رفعوا وجوههم إلى السماء يستغيثون ربهم تبارك وتعالى، وهذا أشهر وأعرف عند الخاصة والعامة من أن يُحتاج فيه إلى أكثر من حكايته؛ لأنه اضطرار لم يؤنبهم عليه أحد ولا أنكره عليهم مسلم" (1) ا هـ. كلامه رحمه الله.
والأدلة على علو الله على خلقه كثيرة لا تُحصى، وقد دل على علو الله الكتاب والسنة والإجماع والفطرة والعقول، ولا مجال هنا لبسط هذه الأدلة. وفي رفع الطرف إلى السماء دلالة على أهمية استشعار مراقبة الله تعالى وأنه سبحانه مطلع على عباده، عليم بهم لا تخفى عليه منهم خافية، وأن أزمة الأمور بيده، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
وقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء: "اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ. . ." إلى آخره الاستعاذة سبق بيان معناها وأنها اعتصام بالله عز وجل والتجاء إليه سبحانه وفي هذا الدعاء التجاء إلى الله عز وجل بأن يحمي العبد من أن يقع في شيء من هذه الأمور المذكورة، وهي أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ".
_______________________
(1) التمهيد (7/ 134).
ومن المعلوم أن من يخرج من بيته لا بد له في خروجه من مخالطة الناس ومعاشرتهم، والناصح لنفسه يخاف أن يبتلى بسبب هذه المخالطة والمعاشرة بالعدول عن الطريق القويم والمسلك المستقيم الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم، وذلك قد يكون متعلقاً بالدين بأن يضل أو يضل، أو متعلقاً بأمر الدنيا بأن يظلم أو يظلم، أو متعلقاً بشأن المخالطين والمعاشرين بأن يزل أو يُزل أو يجهل أو يُجهل عليه، فاستعاذ من جميع هذه الأحوال بهذه الألفاظ البليغة والكلمات الوافية الدقيقة.
وقوله: "اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ" فيه تعوذ بالله من الضلال وهو ضد الهداية، وسؤاله تبارك وتعالى الإعاذة من الضلال متضمن طلب التوفيق للهداية,
وقوله: "أَنْ أَضِلَّ" أي: أن أضل في نفسي بأن أرتكب امراً يفضي بي إلى الضلال، أو أقترف ذنباً يجتح بي عن سبيل الهداية.
وقوله: "أَوْ أُضَلَّ" أي: أن يضلني غيري من شياطين الإنس والجن الذين لا همَّ لهم إلا إضلال الناس وصدهم عن سواء السبيل.
وقوله: " أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ" من الزلة، وهي العثرة، وذلك بأن يهوي الإنسان عن طريق الاستقامة، ومن ذلك قولهم: زلت قدم فلان، أي: وقع من علو إلى هبوط، ويقال: طريق مزلة أي: تزل عليه الأقدام ولا تثبت، والمراد هنا الوقوع في الذنب من حيث لا يشعر تشبيهاً بزلة الرجل.
وقوله: "أَزِلَّ" أي: من نفسي، وقوله: وقوله: "أُزَلَّ" أي: أن يوقعني غيري في الزلل.
وقوله: "أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ" من الظلم، وهو وضع الشيء في غير موضعه.
وقوله: "أَوْ أَظْلِمَ" أي: نفسي بإيقاعها في الخطأ، وجرها إلى الإثم، وغيري بأن أعتدي عليه أو أتصرف في ملكه بغير حق أو أناله بشيء من الأذى والسوء.
وقوله: "أَوْ أُظْلَمَ" أي: أن يظلمني أحد من الناس في نفسي أو مالي أو عرضي
وقوله: "أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ" من الجهل، وهو ضد العلم.
وقوله: "أجهل" أي: أفعل فعل الجهلاء، أو أشتغل في شيء لا يعنيني، أو أجهل الحق الواجب عليَّ.
وقوله: "أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ" أي: أن يجهل غيري علي بأن يقابلني مقابلة الجهلاء بالسفاهة والوقاحة والسباب ونحو ذلك.
ومن سلم من الغلظ مع غيره في شيء من هذه الخصال ومن أن يغلط معه غيره في شيء منها فقد عوفي وعوفي الناس منه، فالحديث فيه التعوذ من هذه الأمور من الطرفين، من طرف المتعوذ نفسه، ومن طرف الناس الذين يلقاهم ويحتك بهم، وكان بعض السلف يقول في دعائه: "اللهم سلمني وسلم مني" (1)، ومن كان هذا شأنه سالماً من شر الناس، والناس سالمون من شره فهو على خير عظيم.
فهذا دعاء عظيم ينبغي على المسلم أن يُحافظ عليه كلما خرج من منزله؛ ليكون ملتجئأً إلى الله ومعتصماً به سبحانه من أن يناله شيء من تلك الأمور، ثم عليه مع هذا الالتجاء أن يأخذ بالأسباب فيحذر أشد الحذر من الضلال والزلل والظلم والجهل، فيكون بذلك جامعاً بين فعل الأسباب والاستعانة عليها بالله تبارك وتعالى.
_______________________
(1) ذكره ابن رجب في كتابه: شرح حديث لبيك اللهم لبيك (ص: 102).
التصنيف | مَا يَقُولُ عِنْدَ الخُرُوجِ مِنَ المَنْزِلِ |
المصدر | الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ |
عدد المشاهدات | 0 |