عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ قَالَ: "كَانَ آخِرَ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ" (1).
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "حَدِّثْ النَّاسَ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً فَإِنْ أَبَيْتَ فَمَرَّتَيْنِ فَإِنْ أَكْثَرْتَ فَثَلَاثَ مِرَارٍ وَلَا تُمِلَّ النَّاسَ هَذَا الْقُرْآنَ وَلَا أُلْفِيَنَّكَ تَأْتِي الْقَوْمَ وَهُمْ فِي حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِهِمْ فَتَقُصُّ عَلَيْهِمْ فَتَقْطَعُ عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُمْ فَتُمِلُّهُمْ وَلَكِنْ أَنْصِتْ فَإِذَا أَمَرُوكَ فَحَدِّثْهُمْ وَهُمْ يَشْتَهُونَهُ فَانْظُرْ السَّجْعَ مِنْ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ يَعْنِي لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ الِاجْتِنَابَ-" (1).
مما ينبغي للمسلم تجنبه في دعائه تكلف السجع في الدعاء، وتكلف صنعة الكلام له، قال الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الدعوات من صحيحه: "باب ما يكره من السجع في الدعاء"، ثم ساق بسنده إلى عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "حَدِّثْ النَّاسَ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً فَإِنْ أَبَيْتَ فَمَرَّتَيْنِ فَإِنْ أَكْثَرْتَ فَثَلَاثَ مِرَارٍ وَلَا تُمِلَّ النَّاسَ هَذَا الْقُرْآنَ وَلَا أُلْفِيَنَّكَ تَأْتِي الْقَوْمَ وَهُمْ فِي حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِهِمْ فَتَقُصُّ عَلَيْهِمْ فَتَقْطَعُ عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُمْ فَتُمِلُّهُمْ وَلَكِنْ أَنْصِتْ فَإِذَا أَمَرُوكَ فَحَدِّثْهُمْ وَهُمْ يَشْتَهُونَهُ فَانْظُرْ السَّجْعَ مِنْ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ يَعْنِي لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ الِاجْتِنَابَ-" (1).
والسجع هو الكلام المقفي من غير مراعاة وزن، وتكلف ذلك في الدعاء أمر مكروه لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: "وَأَصْحَابَهُ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ الِاجْتِنَابَ"، قال الأزهري رحمه الله: "وإنما كرهه صلى الله عليه وسلم لمشاكلته كلام الكهنة، كما في قصة المرأة من هذيل" (2)،
_______________________
(1) صحيح البخاري (رقم: 6337).
(2) فتح الباري (11/ 139).
يشير إلى ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَضَى رَسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ وَقَضَى أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا" وَوَرَّثَهَا وَلَدَهَا وَمَنْ مَعَهُمْ فَقَالَ حَمَلُ بْنُ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ؟ فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ [أي يهدر]، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ" (1). مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الَّذِي سَجَعَ .ولذا عد بعض أهل العلم تكلف السجع في الدعاء في جملة موانع الإجابة، قال القرطبي رحمه الله: "ومنها: أن يدعو بما ليس من الكتاب والسنة فيتخير ألفاظاً مفقرة، وكلمات مسجعة، قد وجدها في كرارس لا أصل لها ولا معول عليها، فيجعلها شعاره، ويترك ما دعا به رسوله صلى الله عليه وسلم، وكل هذا يمنع من استجابة الدعاء" (2).
والسجع المذموم هو المتكلف الذي يجتهد صاحبه في تصنعه، فيشغله ذلك عن الإخلاص والخشوع، ويلهيه عن الضراعة والافتقار، فأما إن وجد وحصل بلا تصنع ولا تكلف ومن غير قصد إليه فلا بأس به.
قال السفاريني رحمه الله: "ولا يتكلف السجع في الدعاء، فإنه يشغل القلب ويذهب الخشوع، وإن دعا بدعوات محفوظة معه له أو لغيره من غير تكلف سجع فليس بممنوع" (3).
_______________________
(1) صحيح مسلم (رقم: 1681).
(2) الجامع لأحكام القرآن (7/ 266).
(3) غذاء الألباب (1/ 409).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه لحديث ابن عباس المتقدم في ذم السجع في الدعاء: "ولا يرد على ذلك ما وقع في الأحاديث الصحيحة؛ لأن ذلك كان يصدر من غير قصد إليه؛ ولأجل هذا يجيء في غاية الانسجام، كقوله صلى الله عليه وسلم في الجهاد: "اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، سريع الحساب، وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ" (1)، وكقوله صلى الله عليه وسلم: "صَدَقَ وَعْدَهُ وَأعز جنده. . ."، الحديث (2)، وكقوله: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَين لَا تدمع، وَنَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَقَلْبٍ لَا يَخْشَعُ" (3)، وكلها صحيحة" (4).وينبغي للداعي أن يتجنب اللحن في الدعاء، ولا سيما إذا كان اللحن محيلاً للمعنى، مخلاً بالمقصود، مفسداً للمراد، فإن الإعراب عماد الكلام، وبه يستقيم المعنى باطل أو دعاء محرم أو نحو ذلك.
ولهذا قال أبو عثمان المازني لبعض تلاميذه: "عليك بالنحو، فإن بني إسرائيل كفرت بحرف ثقيل خففوه، قال الله عز وجل لعيسى: إني ولدتك"، فقالوا: إني ولدتك"، فكفروا".
ويذكر عن الأصمعي: أنه مر برجل يقول في دعائه: يا ذو الجلال والإكرام، فقال له: ما اسمك؟ قال ليث، فأنشأ يقول:
ينادي ربه باللحن ليث لذاك إذا دعاه لا يجيب (5).
_______________________
(1) صحيح البخاري (رقم: 2933، 2966)، وصحيح مسلم (رقم: 1742).
(2) صحيح البخاري (رقم: 2933، 2966)، وصحيح مسلم (رقم: 1742).
(3) صحيح مسلم (رقم: 2722) بلفظ مقارب.
(4) فتح الباري (11/ 139).
(5) انظر: شأن الدعاء للخطابي (19- 20).
ولهذا ينبغي على الداعي تجنب اللحن في الدعاء إن كان مستطيعاً لذلك قادراً عليه، وإلا فإن الله جل وعلا لا يكلف إلا وسعها.وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن رجل دعا دعاء ملحوناً فقال له رجل: ما يقبل الله دعاء ملحوناً؟
فأجاب رحمه الله بما نصه: "من قال هذا القول فهو آثم مخالف للكتاب والسنة، ولما كان عليه السلف، وأما من دعا الله مخلصاً له الدين بدعاء جائز سمعه الله وأجاب دعاءه سواء كان معرباً أو ملحوناً، والكلام المذكور لا أصل له، بل ينبغي للداعي إذا لم تكن عادته الإعراب أن لا يتكلف الإعراب، قال بعض السلف: إذا جاء الإعراب ذهب الخشوع، وهذا كما يكره تكلف السجع في الدعاء، فإذا وقع بغير تكلف فلا بأس به، فإن أصل الدعاء من القلب، واللسان تابع للقلب.
ومن جعل همته في الدعاء تقويم لسانه أضعف توجه قلبه، ولهذا يدعو المضطر بقلبه دعاء يفتح عليه لا يحضره من قبل ذلك، وهذا أمر يجده كل مؤمن في قلبه، والدعاء يجوز بالعربية، وبغير العربية، والله سبحانه يعلم قصد الداعي ومراده، وإن لم يقوم لسانه فإنه يعلم ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تنوع الحاجات" (1).
ولا يجوز للمسلم أن يتحرى في دعائه أنغاماً معينة أو تكلفات في الأداء من خفض ورفع أو تطريب أو ترجيع أو نحو ذلك، مما يسميه البعض في زماننا ابتهالات ويجعل له أداء معيناً شبيهاً بالتغني، فمثل هذا لا يجوز؛ لأن مقام الدعاء مقام طلب وإظهار حاجة وخشوع وتضرع إلى الله، وليس مقام تغن، وهو مقام خضوع وعبودية، وليس مقام إظهار للصناعة النغمية، وهو مقام ذل وخضوع وإيمان، وليس مقام شغل للخواطر بتنميق الأداء وإقامة الأوزان، والله وحده الهادي والموفق، وهو وحده المستعان.
_______________________
(1) مجموع الفتاوى (22/ 488 - 489).
التصنيف | جملة من آداب الدعاء |
المصدر | الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ |
عدد المشاهدات | 0 |