روى الترمذي عن طَلْحَةَ رضي الله عنه: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ: اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ"
في صحيح مسلم من حديث خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ"
لقد كان الحديث عن الأذكار التي يُستحب للمسلم أن يقولها عند ركوب الدابة وعند السفر، وهي أذكار مباركة لها آثارها الحميدة على الراكب والمسافر في سداد أمره وسلامته وحفظه من الآفات والشرور.
ثم إن السلم يُستحب له إذا نَزَلَ مَنْزِلًا أن يقول: "أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ" فَإِنَّهُ إِنْ قَالَ ذَلِك حُفِظَ وَوُقِي بِإذْن الله، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ ذلك المكان الذي نزل فيه.
ففي صحيح مسلم من حديث خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ" (1).
وهو دعاء عظيم فيه التجاء إلى الله عز وجل واعتصام به وتعوذ بكلماته، خلاف ما كان عليه أهل الجاهلية من التعوذ بالجن والأحجار وغير ذلك مما لا يزيدهم إلا رهقاً وضعفاً وذلة كما قال تعالى: {وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍۢ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (2)، فنعى تبارك وتعالى عليهم هذه الاستعاذة وبيَّن عواقبها الوخيمة ومغبَّتَها الأليمة في الدنيا والآخرة، وشرع سبحانه لعباده المؤمنين الاستعاذة به وحده والالتدجاء إليه دون سواه، إذ هو الذي بيده مقاليد الأمور ونواصي العباد، وأما ما سواه فإنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فضلاً عن ان يملك شيئاً من ذلك لغيره.
_______________________
(1) صحيح مسلم (رقم: 2708).
(2) سورة: الجن، الآية (6).
وقوله: "أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ" أي: ألتجئ واعتصم، وكلمات الله قيل: هي القرآن، وقيل هي الكلمات الكونية القدرية، ومعنى "التَّامَّاتِ" أي التي لا يلحقُها نقص، ولا عيب كما يلحق كلام البشر.وفي الحديث دلالة على مشروعية الاستعاذة بصفات الله، وأن الاستعاذة عبادة لا يجوز صرفها لغير الله، وأن كلام الله - ومنه القرآن - ليس بمخلوق إذا لو كان مخلوقاً لم يستعذ به؛ لأن الاستعاذة بالمخلوق لا تجوز بل هي شرك بالله العظيم.
وقوله: "مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ" أي: من كل شر في أي مخلوق قام به الشر من حيوان أو غيره، إنسياً كان أو جنياً، أو هامة أو دابة، أو ريحاً أو صاعقة، أي نوع من أنواع البلاء.
وقوله: "لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ" أي شيء كان؛ لأنه محفوظ بحفظ الله. لكن يشترط في هذا الدعاء وغيره قابلية المحل، وصحة النية، وحسن الثقة بالله عز وجل، والحرص على المواظبة عليه في كل منزل ينزله الإنسان.
يقول القرطبي رحمه الله: "هذا خبر صحيح وقول صادق، علمنا صدقه دليلاً وتجربة، فإني منذ سمعت هذا الخبر عملت عليه فلم يضرني شيء إلى أن تركته فلدغتني عقرب بالمهدية ليلاً، فتفكرت في نفسي فإذا بي قد نسيت أن أتعوذ بتلك الكلمات" (1).
_______________________
(1) ذكره الشيخ سليمان بن عبد الله في تيسير العزيز الحميد (ص: 214).
ويُستحب للمسلم إذا أراد دخول قرية أو بلدة أن يقول: "اللهم رب السموات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية، وخير أهلها، وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها"، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك كلما رأى قرية يريد دخولها.روى النسائي وغيره عن صهيب رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها: اللهم رب السموات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية، وخير أهلها، وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها" (1).
والقرية اسم للموضع الذي يجتمع فيه الناس من المساكن والأبنية والضياع، وقد تطلق على المدن كما في قوله تعالى: {وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا أَصْحَٰبَ ٱلْقَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ} (2). فقد قيل إنها انطاكية، ويقال لمكة أم القرى وعليه فإن هذا الدعاء يقال عند دخول القرية أو المدينة.
وقوله: "اللهم رب السموات السبع وما أظللن" فيه توسل إلى الله عز وجل بربوبيته للسموات السبع وما أظلت تحتها من النجوم والشمس والقمر والأرض وما عليها، فقوله: "وما أظللن" من الإظلال: أي ما ارتفعت عليه وعلت وكانت له كالظلة.
_______________________
(1) عمل اليوم والليلة للنسائي (رقم: 547)، وصححه الألباني - رحمه الله - في السلسلة الصحيحة (رقم: 2759).
(2) سورة: يس، الآية (13).
وقوله: "ورب الأرضين السبع وما أقللن" من الإقلال والمراد: ما حملته على ظهرها من الناس والدواب والأشجار وغير ذلك.وقوله: "ورب الشياطين وما أضللن" من الإضلال وهو الإغواء والصد عن سبيل الله، قال الله تعالى: {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ إِنَٰثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَٰنًا مَّرِيدًا لَّعَنَهُ ٱللَّهُ ۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلْأَنْعَٰمِ وَلَأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ ۚ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَٰنَ وَلِيًّا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا} (1).
وإذا علم العبد أن الله عز وجل رب كل شيء ومليكه، وأنه سبحانه بكل شيء محيط، وان قدرته سبحانه شاملة لكل شيء، ومشيئته سبحانه نافذة في كل شيء، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء لجأ إليه وحده واستعاذ به وحده، ولم يخف أحداً سواه.
وقوله: "ورب الرياح وما ذرين" يقال ذرته الرياح وأذرته وتذروه، أي: أطارته، ومنه قوله تعالى: {فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ ٱلرِّيَٰحُ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ مُّقْتَدِرًا} (2).
وقوله: "فإنا نسألك خير هذه القرية وخير اهلها وخير ما فيها" فيه سؤال الله عز وجل أن يجعل هذه القرية مباركة عليه، وأن يمنحه من خيرها، وأن ييسر له السكنى فيها بالسلامة والعافية، "وخير أهلها" أي: ما عندهم من الإيمان والصلاح والاستقامة والتعاون على الخير ونحو ذلك، "وخير ما فيها" أي: من الناس والمساكن والمطاعم وغير ذلك.
_______________________
(1) سورة: النساء، الآيات (117- 120).
(2) سورة : الكهف، الآية (45).
وقوله: "ونعوذ بك من شرها وشر أهلها، وشر ما فيها" فيه تعوذ بالله عز وجل من جميع الشرور والمؤذيات، سواء في القرية نفسها أو في الساكنين لها، أو فيما احتوت عليه.فهذه دعوة جامعة لسؤال الله الخير والتعوذ به من الشر بعد التوسل إليه سبحانه بربوبيته لكل شيء.
ثم إن المسافر يستحب له في سفره الإكثار من الدعاء لنفسه ووالديه وأهله وولده وجميع المسلمين، ويتخير من الدعاء أجمعه، مع الإلحاح على الله عز وجل؛ لأن دعوة المسافر مستجابة.
ففي السنن الكبرى للبيهقي من حديث أنس رضي الله عنه مرفوعاً: "ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ لَا تُردُّ دَعْوَةُ الْوَالِدِ وَدَعْوَةُ الْصَائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ" (1).
وروى الترمذي وأبو داود وابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ" (2).
هذا وأسأل الله أن يوفقنا جميعاً لطاعته، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته في سفرنا وإقامتنا وفي كل شؤوننا، إنه سميع مجيب.
_______________________
(1) السنن الكبرى للبيهقي (3/ 345)، وصححه الألباني - رحمه الله - في الصحيحة (رقم: 1797).
(2) سنن أبي داود (رقم: 1536)، وسنن الترمذي (رقم: 1905)، وسنن ابن ماجه (رقم: 3862)، وحسنه الألباني - رحمه الله - في السلسلة الصحيحة ( رقم: 596).
التصنيف | ما يقوله إذا نزل منزلاً أو رأى قرية أو بلدة يريد دخولها |
المصدر | الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ |
عدد المشاهدات | 0 |