ثبت في صحيح البخاري من حديث شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ". قَالَ: "وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ" (1).
روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِذَا قَالَ هَا ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ"
الحديث هنا عما يقال عند العطاس وما يفعل عند التثاؤب، روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِذَا قَالَ هَا ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ" (1).
والحكمة في الحمد عند العطاس أن العاطس - كما يقول ابن القيم -: قد حصل له بالعطاس نعمة ومنفعة بخروج الأبخرة المحتقنة في دماغه، التي لو بقيت فيه أحدثت له أدواء عسيرة، ولهذا شرع له حمد الله على هذه النعمة مع بقاء أعضائه على التئامها وهيئتها بعد هذه الزلزلة التي حصلت للبدن، فلله الحمد كما ينبغي لكريم وجهه وعز جلاله (2).
وقد تقدم في الحديث أن الله يحب العطاس وذلك لما فيه من النفع والخير للإنسان ولما يترتب عليه من حمد ثناء ودعاء.وأما التثاؤب فإن الله لا يحبه لأنه من الشيطان ولأنه في الغالب لا يكون إلا مع ثقل البدن وامتلائه واسترخائه وميله إلى الكسل، والمسلم مأمور بكظمه ما استطاع، ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "التَّثَاؤُبُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإن أحدكم إِذَا قَالَ: هَا ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ" وفي لفظ لمسلم:
_______________________
(1) صحيح البخاري (رقم: 6223).
(2) انظر: زاد المعاد (2/ 438- 439).
"فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فََلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ" (1).وقوله: "فََلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ" هذا يكون بمحاولة منع حصول التثاؤب فإن لم يتمكن من ذلك يحاول إغلاق فمنه عند حصوله، فإن لم يتمكن من ذلك و ضع يده أو طرف لباسه على فمه.
ولا يليق بالمسلم أن يتثاءب مفتوح الفم دون وضع يده أو شيء من لباسه على فيه، فإن هذا إضافة إلى ما فيه من قبح في الهيئة والمنظر فإنه ذريعة وسبيل لدخول الشيطان. فقد روى مسلم في صحيحه عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يُحَدِّثُ أَبِي عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فِيهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ" (2)، والتعوذ بالله من الشيطان عند التثاؤب لم يثبت فيه دليل، لكن إن تذكر المسلم عند التثاؤب أن ذلك من الشيطان وتعوذ باله منه فلا حرج في ذلك ما لم يتخذه سنة.
وأما فيما يتعلق بالعطاس فقد جاءت السنة بجملة من الآداب والأحكام العظيمة التي يحسن بالمسلم مراعاتها والعناية بها وهي من جمال هذه الشريعة وكمالها، ووفائها بكل شؤون الإنسان وجميع أحواله.
روى البخاري في صحيحه نْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَلْيَقُلْ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ" (3)، أي: شأنكم.
_______________________
(1) صحيح البخاري (رقم: 3289)، وصحيح مسلم (رقم: 2994).
(2) صحيح مسلم (رقم: 2995).
(3) صحيح البخاري (رقم: 6224).
فانظر - أخي المسلم رعاك الله - إلى هذا الجمال والكمال الذي دعت إليه الشريعة عند العطاس؛ حمد وثناء وتراحم ودعاء، العاطس يحمد الله، ومن يسمعه يدعو له بالرحمة، ثم هو يبادل الدعاء بالدعاء، فيدعو لمن شمته بالهداية وصلاح الحال، فما أقواها من لُحمة، وما أجمله من ترابط ووصال.بل جعل الإسلام تشميت العاطس حقاً من الحقوق المتبادلة بين المسلمين، ففي الصحيح من حديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ قِيلَ مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ" (1).
والتشميت هو الدعاء بالخير، قيل: هو مشتق من الشوامت وهي القوائم، كأنه دعا له بالثبات والقيام بالطاعة، وقيل: معناه أبعدك الله عن الشماتة، وجنبك ما يشمت عليك به.
ثم إن هذا التشميت إنما يستحقه من يحمد الله عند العطاس، وأما من لم يحمد فإنه لا يشمت، ففي الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "عَطَسَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتْ الْآخَرَ فَقَالَ الَّذِي لَمْ يُشَمِّتْهُ عَطَسَ فُلَانٌ فَشَمَّتَّهُ وَعَطَسْتُ أَنَا فَلَمْ تُشَمِّتْنِي قَالَ إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ وَإِنَّكَ لَمْ تَحْمَدْ اللَّهَ" (2).
_______________________
(1) سبق تخريجه.
(2) صحيح البخاري (رقم: 6225)، وصحيح مسلم (رقم: 2991).
وروى مسلم عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى وَهُوَ فِي بَيْتِ بِنْتِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ فَعَطَسْتُ فَلَمْ يُشَمِّتْنِي وَعَطَسَتْ فَشَمَّتَهَا فَرَجَعْتُ إِلَى أُمِّي فَأَخْبَرْتُهَا فَلَمَّا جَاءَهَا قَالَتْ عَطَسَ عِنْدَكَ ابْنِي فَلَمْ تُشَمِّتْهُ وَعَطَسَتْ فَشَمَّتَّهَا فَقَالَ إِنَّ ابْنَكِ عَطَسَ فَلَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ فَلَمْ أُشَمِّتْهُ وَعَطَسَتْ فَحَمِدَتْ اللَّهَ فَشَمَّتُّهَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتُوهُ فَإِنْ لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ فَلَا تُشَمِّتُوهُ" (1).والتشميت ثلاث مرات، وما زاد فهو زكام يدعى لصاحبه بالشفاء والعافية، روى مسلم في صحيحه بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ له "يَرْحَمُكَ اللَّهُ"، ثُمَّ عَطَسَ أُخْرَى فَقَالَ له رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الرَجُلٌ مَزْكُومٌ" (2)، ورواه الترمذي وفيه: ثُمَّ عَطَسَ الثَّانِيَةَ وَالثَّاِلثَة: فَقَالَ له رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَذَا رَجُلٌ مَزْكُومٌ" (3).
وروى أبو داود في سننه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مرفوعاً وموقوفاً: "شَمِّتْ أَخَاكَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، فَمَا زَادَ فَهُوَ زُكَامٌ" (4).
قال ابن القيم رحمه الله: "وقوله في الحديث: "الرَجُلٌ مَزْكُومٌ" تنبيه على الدعاء له بالعافية؛ لأن الزكمة علة، وفيه تنبيه له على هذه العلة ليتداركها ولا يهملها فيصعب أمرها، فكلامه صلى الله عليه وسلم كله حكمة ورحمة وعلم وهدى" (5).
_______________________
(1) صحيح مسلم (رقم: 2992).
(2) صحيح مسلم (رقم: 2993).
(3) سنن الترمذي (رقم: 2743).
(4) سنن أبي داود (رقم: 5034)، وصححه الألباني - رحمه الله - في السلسلة الصحيحة (رقم: 1330).
(5) زاد المعاد (2/ 441).
داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَطَسَ وَضَعَ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ عَلَى فِيهِ وَخَفَضَ أَوْ غَضَّ بِهَا صَوْتَهُ" (1).ثم إن العاطس والمشمت عليهم أن يلتزما في ذلك بما جاء في ذلك بما جاء في السنة، والسنة أن يقول العاطس "يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وله أن يقول: "الحمد لله على كل حال"؛ لثبوت هذه الزيادة في سنن أبي داود، وأن يقول المشمت: "يرحمك الله"، وأن يقول له العاطس بعد تشميته: "يهديكم الله ويصلح بالكم"، وقد تقدم حديث أبي هريرة رضي الله عنه في هذا.
وللعاطس أن يقول بدل هذا: "يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ وَيَغْفِرُ لَنَا وَلَكُمْ"؛ لما رواه مالك في موطنه عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا عَطَسَ فَقِيلَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ قَالَ يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ وَيَغْفِرُ لَنَا وَلَكُمْ" (2).
وقد أنكر السلف - رحمهم الله - من يزيد على هذا المأثور، فقد روى الترمذي في سننه أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَا أَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ" (3).
وفي هذا حرص السلف - رحمهم الله - على لزوم السنة واقتفاء هدي وآثار خير الأمة، ألحقنا الله بهم ووفقنا لاتباعهم.
_______________________
(1) سنن أبي داود (رقم: 5029)، وصححه الألباني - رحمه الله - في صحيح الجامع (رقم: (4755).
(2) الموطأ (رقم: 2770).
(3) سنن الترمذي (رقم: 2738)، وحسنه الألباني - رحمه الله - في صحيح الترمذي (رقم: 2200).
التصنيف | ما يُقال عند العطاس، وما يُفعل عند التثاؤب |
المصدر | الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ |
عدد المشاهدات | 0 |