لقد تميزت الأدعية الشرعية والأذكار المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكمالها في مبناها ومعناها، فألفاظها وعباراتها موجزة مختصرة، ومعانيها ودلالاتها عظيمة واسعة، متضمنة الخير كله، مشتملة على المقاصد العالية
ثبت في الصحيحين عن أم المؤمنين عَائِشَةَ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ" (1).
إن من الأوراد المباركة التي كان يحافظ عليها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كلما آوى في الليل إلى فراشه لينام ما ثبت في الصحيحين عن أم المؤمنين عَائِشَةَ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ" (1).
فهذا تعوذ عظيم وحرز للإنسان، وحافظ له بإذن الله من أن يمسه في منامه مكروه، أو يناله شر أو أذى، أو يصيبه شيء من الهوام المؤذيه أو الحشرات القاتلة، لا سيما والإنسان عند نومه يكون غافلاً عن كل ما يجيء إليه، وعن جميع ما يحدث له، فإذا اشتغل عندما يأوي إلى فراشه بهذا الورد العظيم والحرز المتين، حُفظ بإذن الله وكفي ووقي، ولم يزل عليه من الله حافظ إلى أن يصبح، وهذا يؤكد أهمية محافظة المسلم على هذا الورد كل ليلة عندما يأوي إلى فراشه؛ لينام هذا الحفظ، ولتتحقق له تلك العناية والرعاية.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحافظ على هذا الورد أشد المحافظة، ولا يترك قوله في كل ليلة، ومما يدل على عظم عناية النبي صلى الله عليه وسلم به ما ثبت في بعض طرق الحديث أن عائشة رضي الله عنها قالت: "فلما اشتكى صلى الله عليه وسلم كان يأمر أن أفعل ذلك به" (2).
_______________________
(1) صحيح البخاري (رقم: 5017) وصحيح مسلم (رقم: 2192).
(2) صحيح البخاري (رقم: 5747).
وثبت في الصحيح عنها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْفِثُ عَلَى نَفْسِهِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا ثَقُلَ كُنْتُ أَنَا أَنْفِثُ عَلَيْهِ بِهِنَّ فَأَمْسَحُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا" (1).
فكان صلى الله عليه وسلم يحافظ على هذا التعوذ مع اشتداد المرض عليه فيقرأ صلى الله عليه وسلم السور، وينفث في يده الشريفة، ويأمر عائشة رضي الله عنها أن تمر يده على جسده لعدم تمكنه من فعل ذلك بسبب المرض والوجع.
وقول عائشة رضي الله عنها في الحديث "كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ" أي: إذا رجع إليه وضمنه فراشه ودخل فيه، ومنه المأوى وهو المكان الذي يأوي إليه الإنسان.
وقولها: "كُلَّ لَيْلَةٍ" فيه دلالة على محافظة النبي صلى الله عليه وسلم على هذا التعوذ في جميع لياليه.
وقولها: "جَمَعَ كَفَّيْهِ" أي: ضم يديه وألصق إحداهما بالأخرى، وهما مفتوحتان إلى جهة الوجه؛ ليباشر النفث فيهما.
وقولها: "ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا" أي: اليدين، والنفث شبيه النفخ، وهو أقل من التفل، وهو خروج الهواء من الفم مع شيء يسير من الريق.
وقولها: "ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ" فيه دليل على أن السنة أن يمسح بيده ما استطاع مسحه من بدنه.
_______________________
(1) صحيح البخاري (رقم: 5751).
ومما ينبغي أن يعلم هنا أن مسح الوجه والبدن خاص بهذا الموطن، ولا يصح أن يعمم في كل ذكر أو دعاء، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الحديث؛ ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما مسحه وجهه بيديه فليس عنه فيه إلا حديث أو حديثان لا تقوم بهما حجة" (1).
وقولها: "يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ" فيه بيان أن السنة أن يبدأ المسلم بأعالي بدنه فيمسح على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، ثم ينتهي إلى ما أدبر منه.
والسنة أن يفعل ذلك المسلم ثلاث مرات تأسياً بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ثم إن السورة الأولى من هذه السور الثلاث قد اشتملت على ذكر صفة الرب جل شأنه، بل أخلصت لبيان تلك الصفة، ولهذا سميت سورة الإخلاص؛ لأنها مشتملة على إخلاص التوحيد العلمي لله تبارك وتعالى، ولو قيل لأحد من هو الله؟ فاكتفى في الجواب على هذا السؤال بتلاوة هذه السورة لكان الجواب وافياً كافياً، والأحد هو المتفرد بالكمال والجلال، الذي له الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا والأفعال المقدسة العظيمة الذي لا نظير له ولا مثيل، والصمد أي: المقصود في جميع الحوائج، فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم ويرغبون إليه في مهماتهم؛ لأنه العظيم الكامل في جميع أوصافه ونعوته، ومن كماله سبحانه {أنه لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} {وَلَمْ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدٌۢ} لا في أسمائه ولا في أوصافه ولا في أفعاله تبارك وتعالى.
_______________________
(1) الفتاوى (12/ 519).
وأما المعوذتان ففيهما التعوذ بالله عز وجل من الشرور جميعها والآفات كلها، فسورة الفلق فيها التعوذ بالله العظيم {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ} أي: فالق الحب والنوى وفالق الإصباح، {مِن شَرِّ مَا خَلَقَ} وهذا يشمل جميع ما خلق الله من الإنس والجن والحيوانات، وفيستعيذ بخالقها من الشر الذي فيها، ثم خصص بعد هذا العموم فقال: {وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} أي: من شر ما يكون في الليل، حين يغشى الناس، وتنتشر فيه كثير من الأرواح الشريرة والحيوانات المؤذية، {وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّٰثَٰتِ فِى ٱلْعُقَدِ} أي: السواحر اللاتي يستعن على سحرهن بالنفث في العقد، {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} والحاسد هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود، ويدخل في ذلك العائن؛ لأنه لا تصدر العين إلا عن نوع حسد، فتضمنت هذه السورة الكريمة التعوذ من جيمع الشرور عموماً وخصوصاً.
وسورة الناس فيها التعوذ برب الناس ومالكهم وإلههم من الشيطان الرجيم الذي هو أصل الشرور كلها ومادتها وأساس بدوها وفشوها (1).
فحري بالمسلم أن يحافظ على قراءة هذه السور الثلاث كل ليلة عندما يأوي إلى فراشه، على الصفة التي كان يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لينال بذلك حفظ الله ورعايته وكفايته، ولينام قرير العين، وبالله التوفيق.
_______________________
(1) انظر: تفسير السعدي رحمه الله (ص: 937 - 938).
التصنيف | أَذْكَارُ النَّوْمِ وَالاِسْتِيقَاظِ |
المصدر | الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ |
عدد المشاهدات | 0 |