التصنيفات


عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ اللَّهِ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا وَلَا يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ" (1).

ثبت في السنة أحاديث عديدة عن النبي صلى الله عليه وسلم في بيان ما ينبغي أن يقوله المسلم ويفعله عندما يرى في منامه ما يحب أو عندما يرى فيه ما يكره.
 
ومن هذه الأحاديث ما رواه البخاري في صحيحه  عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ اللَّهِ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا وَلَا يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ" (1).
 
وفي الصحيحين عن أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ: "لَقَدْ كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي حَتَّى سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ وَأَنَا كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِي حَتَّى سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنْ اللَّهِ فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَلْيَتْفِلْ ثَلَاثًا وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ" (2).
 
وفي صحيح مسلم من حديث جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ ثَلَاثًا وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ" (3).
_______________________
(1)  صحيح البخاري (رقم: 6985).
(2)  صحيح البخاري (رقم: 7044)، وصحيح مسلم (رقم: 2261).
(3)  صحيح مسلم (رقم: 2262).

 
وقد دلت هذه الأحاديث على جملة من الفوائد تتعلق بالرؤيا وما ينبغي أن يكون عليه المؤمن تجاه ما يراه في منامه من أمور يفرح برؤيتها ويسر، أو أمور يحزن لرؤيتها ويضجر، ومن فوائد هذه الأحاديث ما يلي:
 
أولاً: تعظيم شأن الرؤيا الصالحة يراها المسلم، وأنها من الله عز وجل، ساقها إلى عبده المؤمن في حياته بشارة له بالخير، وتأنسياً لقلبه وطمأنة لفؤاده كما قال الله تعالى: {لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلْأَخِرَةِ ۚ} (1)، قال غير واحد من السلف: "هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له".
 
ثانياً: بيان أن ما يراه المؤمن في منامه مما يكرهه فإنما هو من الشيطان ليحزن الذين آمنوا، وليس بضارهم شيئاً إلا بإذن الله، وما يراه الإنسان في منامه ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الرؤيا الصالحة التي هي بُشرى من الله لمن رآها أو رؤيت له، والرؤيا التي هي من الشيطان وهي أهاويل يأتي بها الشيطان للإنسان في منامه وأمثال مكروهة يضربها بقصد التشويش على الإنسان وإدخال الحزن عليه والضجر في قلبه، والقسم الثالث: هي الأحلام التي تجري على الإنسان في منامه مما يحدث به الرجل نفسه في اليقظة تجري عليه في المنام جريانها في اليقظة.
 
ثالثاً: بيان ما ينبغي أن يفعله المسلم عندما يرى في منامه ما يحب ويتلخص ذلك في عدة أمور.
الأول: أن المسلم ينبغي له أن يفرح ويستبشر بالرؤيا الصالحة يراها أو ترى له، وأن لا يغتر، فالرؤيا كما قال بعض السلف: "تسر المؤمن ولا تغره".
 
الثاني: أن يحمد الله عز وجل على هذا الخير الذي ساقه إليه والفضل الذي منحه إياه حيث أكرمه بهذه الرؤيا المبشرة.
_______________________
(1)  سورة: يونس، الآية (64).

 
الثالث: أن يحدث بها من يحب من إخواته وجلسائه الذين شأنهم معه أنهم يتعاونون معه على الخير، ويتواصلون معه على البر والإحسان، فتكون الرؤيا التي رآها سبباً لزيادة الخير فيهم، وحافزاً للمضي في مجالاته.
 
الرابع: أن لا يحدث بها من يكره درءاً لمفسدة حصول الأذى منه أو الحسد أو نحو ذلك.
 
رابعاً: ومن الفوائد التي اشتملت عليها الأحاديث المتقدمة؛ بيان ما ينبغي أن يفعله المسلم إذا رأى في منامه ما يكره ويتلخص ذلك في الأمور التالية:
الأول: أن يعلم أن ذلك إنما هو من الشيطان يريد به تحزين المؤمن وإدخاله الهم والغم والفزع عليه، فعليه أن لا يلتفت إلى مكر الشيطان وأن لا يشغل باله بذلك.
 
الثاني: أن يتعوذ بالله من شرها وشر الشيطان الرجيم، والتعوذ التجاء إلى الله واعتصام به سبحانه {وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِىَ إِلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ} (1).
 
الثالث: أن يبصق عن يساره ثلاثاً، وقد قيل: لأن الشيطان يأتي ابن آدم من قبل يساره؛ لأنه يريد أن يوسوس في القلب، والقلب قريب من جهة اليسار، فيأتي الشيطان من جهته القريبة، والله أعلم.
 
الرابع: أن يتحول عن جنبه الذي كان عليه، وقيل في الحكمة من هذا أن في ذلك تفاؤلاً بالتحول من هذه الحالة المسيئة المحزنة إلى حال مسرة مفرحة.
_______________________
(1)  سورة آل عمران، الآية: (101).
 

 
الخامس: ألا يحدث أحداً بما رأى في منامه من أمور يكرهها، وقد جاء في صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَأْسِي قُطِعَ قَالَ فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ إِذَا لَعِبَ الشَّيْطَانُ بِأَحَدِكُمْ فِي مَنَامِهِ فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ النَّاسَ" (1)، وفي رواية أخرى: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَأْسِي ضُرِبَ فَتَدَحْرَجَ فَاشْتَدَدْتُ عَلَى أَثَرِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ لَا تُحَدِّثْ النَّاسَ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي مَنَامِكَ" (2).
 
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن من فعل ما تقدم لا تضره رؤياه، بل يكون فعله لهذه الأمور سبباً واقياً بإذن الله من شر الرؤيا وشر الشياطين.
 
وعلى العبد مع ذلك كله أن يكون متقياً، لله محافظاً على طاعته، بعيداً عن معاصيه؛ ليكون بذلك محفوظاً بحفظ الله محاطاً برعايته وعنايته سبحانه.
وقد قال ابن سيرين رحمه الله: "اتق الله في اليقظة، ولا تبال ما رأيت في النوم".
 
والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
 
_______________________
(1)  صحيح مسلم (رقم: 2268).
(2)  صحيح مسلم (رقم: 2268).

التصنيف مَا يَقُولُ إِذَا رَأَى فِي مَنَامِهِ مَا يَكْرَهُ
المصدر الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ
عدد المشاهدات 0