التصنيفات


ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا أَخَذْنَا مَضْجَعَنَا أَنْ نَقُولَ "اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ" (1).

إن من الدعوات العظيمة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث من أوى إلى فراشه على المحافظة عليها والعناية بها ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا أَخَذْنَا مَضْجَعَنَا أَنْ نَقُولَ "اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ" (1).
 
وهو دعاء عظيم، يحسن بالمسلم أن يحافظ عليه كل ليلة عندما يأوي إلى فراشه، وهو مشتمل على توسلات عظيمة إلى الله تبارك وتعالى بربوبيته لكل شيء للسموات السبع والأرضين السبع والعرش العظيم، وبإنزاله لكلامه العظيم ووحيه المبين بأن يحيط الإنسان برعايته ويكلأه بعنايته، ويحفظه من جميع الشرور، ومشتمل على توسل إلى الله جل وعلا ببعض أسمائه العظيمة الدالة على كماله وجلاله وعظمته وإحاطته بكل شيء، بأن يقضي عن الإنسان دينه ويغنيه من فقره.
 
وقوله: "اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَرَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ" أي: يا خالق هذه الكائنات العظيمة ومبدعها وموجدها من العدم، وقد خص هذه المخلوقات بالذكر لعظمها وكبرها ولكثرة ما فيها من الآيات البينات والدلالات الباهرات على كمال خالقها وعظمة مبدعها، وإلا فإن جميع المخلوقات صغيرها وكبيرها، ودقيقها وجليلها فيها آية بينة على كمال الخالق سبحانه.
_______________________
(1)  صحيح مسلم (رقم: 2713).

 
وفي كل شيء له آية                تدل على أنه الواحد
 
ولهذا عقب هذا الدعاء بقوله: "رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ" وهذا تعميم بعد تخصيص؛ لئلا يظن أن الأمر مختص بما ذكر.
 
وقوله: "وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ" فيه دلالة على عظمة العرش، وأنه أعظم المخلوقات، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض" (1)، وإذا كان هذا المخلوق بهذه العظمة والمجد والسعة، فكيف بخالقه ومبدعه سبحانه.
 
وقوله: "فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى" من الفلق وهو الشق، أي: الذي يشق حبة الطعام ونوى التمر وغيره لتخرج الأشجار والزورع، فإن النباتات إما أشجار أصلها النوى، أو زروع أصلها الحب، والله سبحانه لكمال قدرته وبديع خلقه هو الذي يفتح هذا الحب والنوى اليابس الذي كالحجر لا ينمو ولا يزيد، فينفرج وتخرج منه الزروع العظيمة والأشجار الكبيرة، وفي هذا آية باهرة على كمال المبدع وعظمة الخالق سبحانه، قال الله تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ ۖ يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَىِّ ۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ} (2).
_______________________
(1)  رواه أبو نعيم في الحلية (1/ 166) وأبو الشيخ في العظمة (2/ 648 - 449) والبيهقي في الأسماء والصفات (2/ 300 - 301) وغيرهم، وصححه الألباني - رحمه الله - في السلسلة الصحيحة (رقم: 109) بمجموع طرقه.
(2)  سورة: الأنعام، الآية (95).
 

 
وقوله في هذا الدعاء: "مُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ والفرقان" فيه توسل إلى الله عز وجل بإنزاله لهذه الكتب العظيمة المشتملة على هداية الناس وفلاحهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وقد خص هذه الكتب الثلاثة؛ لأنها أعظم كتب أنزلها الله، وذكرها مرتبة ترتيباً زمنياً، فذكر أولاً التوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام، ثم الإنجيل الذي أنزل على عيسى عليه السلام، ثم الفرقان - وهو القرآن الكريم - الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
 
وفي هذا دلالة على أن هذه الكتب من كلام الله، وأنها منزلة من عنده سبحانه، وأنها غير مخلوقة، ولهذا فرق في هذا الدعاء بينها، ففي المخلوقات قال: "رب" و "فالق"، وفي كلامه ووحيه قال: "مُنْزِلَ" وفي هذا رد على أهل البدع والأهواء الذين يقولون إن كلام الله مخلوق، تعالى الله عما يقولون، وسبحان الله عما يصفون.
 
ثم قال بعد ذكره لهذه الوسائل العظيمة: "أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا" وهذا شروع في ذكر رغبة الإنسان وحاجته ومطلوبه من ربه سبحانه، وقوله: "أَعُوذُ بِكَ" أي: ألتجئ وأعتصم بك وأحتمي بجنابك "مِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا" والدابة هي كل ما يدب على الأرض، وهو يشمل الذي يمشي على بطنه، أو على رجلين أو على أربع، قال الله تعالى: {وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍۢ مِّن مَّآءٍۢ ۖ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِى عَلَىٰ بَطْنِهِۦ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِى عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِى عَلَىٰٓ أَرْبَعٍۢ ۚ يَخْلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ} (1).
_______________________
(1)  سورة: النور، الآية (45).

 
وقوله: "أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا" فيه دلالة على أن المخلوقات كلها داخلة تحت قهره وسلطانه، فهو سبحانه آخذ بنواصيها، قادر عليها، يتصرف فيها كيف يشاء ويحكم فيها بما يريد.
 
قال الله تعالى فيما ذكره عن هود عليه السلام: {إِنِّى تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّى وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذٌۢ بِنَاصِيَتِهَآ ۚ إِنَّ رَبِّى عَلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ} (1).
والناصية مقدم الرأس.
 
ثم قال متوسلاً إلى الله سبحانه ببعض أسمائه الحسنى وصفاته العظيمة "أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ"، وفي هذا دلالة على أولية الله سبحانه وأنه قبل كل شيء، وأبديته سبحانه وبقائه بعد كل شيء، وعلوه على خلقه واستوائه على عرش وفوقيته وأنه الظاهر الذي لا شيء فوقه، وقربه سبحانه من خلقه وإحاطته بهم وأنه جل وعلا الباطن الذي لا شيء دونه. ومدار هذه الأسماء الأربعة على بيان إحاطة الرب سبحانه، وهي إحاطتان: زمانية ومكانية؛ أما الزمانية فقد دل عليها اسمه الأول والآخر، وأما المكانية فقد دل عليها اسمه الظاهر والباطن. هذا مقتضى تفسير النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تفسير أكمل من تفسيره.
 
وقوله: "اقْضِ عَنِّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنِا مِنْ الْفَقْرِ" هو سؤال الله تبارك وتعالى وطلب منه سبحانه بعد تلك التوسلات.
_______________________
(1)  سورة: هود، الآية (56).

 
وقوله: "اقْضِ عَنِّا الدَّيْنَ"، أي: أد عنا حقوق الله وحقوق العباد من جميع الأنواع، وفي هذا تبري الأإنسان من احول والقوة، وأنه لا حول ولا قوة له إلا بالله العظيم.
 
وقوله: "وَأَغْنِنِا مِنْ الْفَقْرِ" والغنى هو عدم الحاجة، والفقر: خلو ذات اليد، والفقير هو من وجد بعض كفايته، أو لم يجد شيئاً أصلاً.
 
ومن المعلوم أن الدين والفقر كلاهما هم عظيم، قد يؤرق الإنسان ويمنعه من النوم، فإذا لجأ العبد إلى الله وطلب منه سبحانه مده وعونه متوسلاً إليه بتلك التوسلات العظيمة، فإن نفسه عندئذ تسكن وتطمئن، وقلبه يرتاح ويهدأ؛ لأنه وكل أمره إلى من بيده أزمة الأمور ومقاليد السموات والأرض، ولجأ إلى من أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، وكيف لا يطمئن القلب وقد علق بمن هذا شأنه.

التصنيف أَذْكَارُ النَّوْمِ وَالاِسْتِيقَاظِ
المصدر الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ
عدد المشاهدات 0