التصنيفات

قالت أم المؤمنين عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "كَانَ يُعْجِبُهُ الْجَوَامِعُ مِنْ الدُّعَاءِ وَيَدَعُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ"، رواه أبو داود في سننه، والإمام أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه (1).

لا يزال حديثنا موصولاً في بيان فضل الأذكار النبوية والأدعية المأثورة التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم ويعلمها أصحابه؛ لكمالها في مبانيها ومعانيها، ولاشتمالها على جوامع الخير وفواتحه وخواتمه، كما قالت أم المؤمنين عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "كَانَ يُعْجِبُهُ الْجَوَامِعُ مِنْ الدُّعَاءِ وَيَدَعُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ"، رواه أبو داود في سننه، والإمام أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه (1).

وروى الفريابي وغيره من حديث عائشة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "يا عائشة عليكِ بجوامع الدعاء: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ وَأَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ وَأَسْأَلُكَ مِنْ الْخَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْتَعِيذُكَ مِمَّا اسْتَعَاذَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْأَلُكَ مَا قَضَيْتَ لِي مِنْ أَمْرٍ أَنْ تَجْعَلَ عَاقِبَتَهُ رَشَدًا" (2).

وخرجه الإمام أحمد، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم، وليس عندهم ذكر جوامع الدعاء، وعند أحمد والحاكم:
_______________________
(1) سنن أبي داود (رقم: 1482)، والمسند (6/ 148، 189)، وصحيح ابن حبان (رقم: 867)، وهو في صحيح أبي داود (رقم: 1315).
(2) ذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/ 533).

"عَلَيْكِ بِالْكَوَامِلِ. . ."، وذكره (1).

وخرجه أبو بكر الأثرم وعنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "ما عليك أن تأخذي بجوامع الكلم وفواتحه. . ."، وذكر هذا الدعاء (2).

وروى الإمام أحمد في المسند عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُلِّمَ فَوَاتِحَ الْخَيْرِ وَجَوَامِعَهُ أَوْ جَوَامِعَ الْخَيْرِ وَفَوَاتِحَهُ وَخَواِتمَهُ. . ." (3).

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، فإنه صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم، وخص ببدائع الحكم، كما في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ" (4)، قال الإمام محمد بن شهاب الزهري رحمه الله: "جَوَامِعَ الْكَلِمِ فِيمَّا بلغنا أَنَّ اللَّهَ يَجْمَعُ لَهُ الْأُمُورَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُكْتَبُ فِي الْكُتُبِ قَبْلَهُ فِي الْأَمْرِ الْوَاحِدِ وَالْأَمْرَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ" (5) ا هـ.

وحاصله أنه صلى الله عليه وسلم كان يتكلم بالكلام الموجز القليل اللفظ، الكثير المعاني، وهكذا الشأن في أذكاره وأدعيته صلوات الله وسلامه عليه، كان يعجبه من ذلك جوامع الذكر الدعاء ويدع ما بين ذلك.
_______________________
(1) المسند (6/ 134- 146)، وسنن ابن ماجه (رقم: 3846)، وصحيح ابن حبان (رقم: 869)، والمستدرك (1/ 521، 522).
(2) ذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/ 534).
(3) المسند (1/ 408، 437).
(4) صحيح البخاري (رقم 7013)، وصحيح مسلم (رقم: 523).
(5) ذكره البخاري في صحيحه بإثر حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وإذا فالواجب على كل مسلم أن يعرف عظم قدر الأدعية النبوية ورفيع مكانتها وأنها مشتملة على مجامع الخير وأبواب السعادة ومفاتيح الفلاح في الدنيا والآخرة، وخير السؤال أن يسأل المسلم به من خير ما سأله منه عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأفضل الاستعاذة أن يستعيذ بالله من شر ما استعاذ منه عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإن في ذلك فواتح الخير وخواتمه وجوامعه، وأوله وآخره، وظاهره وباطنه، ومن يتأمل جميع الأدعية الواردة في القرآن والسنة يجدها كذلك، فإن الله تبارك وتعالى قد اختار لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم جوامع الأدعية وفواتح الخير وتمام الأمر وكماله في الدنيا والآخرة، فكيف يدع المسلم هذا الخير العميم والفضل العظيم الذي اشتملت عليه أدعية النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ويقبل على أدعية أخرى لغيره ممن لا تؤمن غائلتهم من شيوخ الضلال وأئمة الباطل، المتكلفين في الدين ما ليس منه، ولهذا يقول الخطابي رحمه الله: "أولى ما يُدعى به ويستعمل منه ما صحت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت عنه بالأسانيد الصحيحة، فإن الغلط يعرض كثيراً في الأدعية التي يختارها الناس لاختلاف معارفهم وتباين مذاهبهم في الاعتقاد والانتحال، وباب الدعاء مطية مظنة للخطر، وما تحت قدم الداعي دحض، فليحذر فيه الزلل، وليسلك منه الجدد، الذي يؤمن معه العثار، وما التوفيق إلا بالله عز وجل" (1). اهـ.
_______________________
(1) شأن الدعاء للخطابي (ص: 2 -3).

ومن يتأمل الأدعية المأثورة التي جاءت في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يجد فيها الجمال والكمال والوفاء بتحقيق المطالب العالية، والمقاصد الرفيعة، والخير الكامل في الدنيا والآخرة، مع السلامة فيها والأمان من الوقوع في الخطأ والزلل، فهي معصومة من ذلك؛ لأنها وحي الله وتنزيله. 

ولذا نجد أئمة العلم الأمناء الناصحين يرغبون الناس في المحافظة على الأدعية المأثورة  والأذكار المشروعة، ويعتنون تمام الاعتناء بربط الناس بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم؛ لأن في ذلك السلامة والعصمة والفوز بأكبر الغنيمة، ومن ذلك قول الإمام الجليل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وينبغي للخلق أن يدعوا بالأدعية الشرعية التي جاء بها الكتاب والسنة، فإن ذلك لا ريب في فضله وحسنه، وأنه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا" (1).

فتأمل كلام هذا الإمام الناصح وغيره من أهل العلم أهل السنة والجماعة كيف أنهم كرسوا جهودهم وبذلوا أوقاتهم وأنفاسهم في سبيل تفقيه الناس بالسنة وربطهم بها ودعوتهم إلى تحقيقها وحسن القيام بها؛ إذ هي صراط الله المستقيم وحبله المتين.
_______________________
(1) مجموع الفتاوى (1/ 346).

تأمل قوله رحمه الله: "ينبغي للخلق أن يدعوا بالأدعية الشرعية التي جاء بها الكتاب والسنة" تجد فيه تمام النصيحة للخلق وصدق القيام بالحق، بخلاف أئمة الضلال ودعاة الباطل، فإنهم يدعون الناس إلى أنفسهم ويربطونهم بأشخاصهم، فتراهم ينشئون للناس أوراداً وأدعية من قبل أنفسهم، ويعظمون من شأنها، ويعلون من قدرها رغبة في تكثير الأتباع واستقطاب المريدين، كما قال الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه: "إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ فِتَنًا يَكْثُرُ فِيهَا الْمَالُ وَيُفْتَحُ فِيهَا الْقُرْآنُ حَتَّى يَأْخُذَهُ الْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ فَيُوشِكُ قَائِلٌ أَنْ يَقُولَ مَا لِلنَّاسِ لَا يَتَّبِعُونِي وَقَدْ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ مَا هُمْ بِمُتَّبِعِيَّ حَتَّى أَبْتَدِعَ لَهُمْ غَيْرَهُ فَإِيَّاكُمْ وَمَا ابْتُدِعَ فَإِنَّ مَا ابْتُدِعَ ضَلَالَةٌ" رواه الإمام أبو داود في سننه والآجري في الشريعة، وسنده صحيح (1).

فليكن المسلم على تمام الحذر من مثل هؤلاء، وليحرص تمام الحرص على لزوم السنة، ففيها السلامة والرفعة، والتوفيق بيد الله وحده.
* * *
_______________________
(1) سنن أبي داود (رقم: 4611)، والشريعة (رقم: 90، 91).

التصنيف جوامع الكلم والأدعية المأثورة
المصدر الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ
عدد المشاهدات 0