التصنيفات

من السنة أن يقول الذي يضع الميت في لحده "بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" أو "وَعَلَى مِلَّة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"؛ لما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا وَضَعَ الْمَيِّتَ فِي الْقَبْرِ قَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، وفي رواية "وَعَلَى مِلَّة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، وجاء في رواية أنه قال: "إِذَا وَضَعْتُمْ مَوْتَاكُمْ فِي الْقَبْرِ فَقُولُوا. . ."، وذكره

لقد مرَّ معنا الكلام على الأذكار التي تقال في الصلاة على الجنازة، وسنتناول هنا بيان ما يقال عند دفن الميت، وما يُقال بعد دفنه، وما يُقال لذويه عند تعزيتهم، وما يُقال عند زيارة المقابر.

من السنة أن يقول الذي يضع الميت في لحده "بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" أو "وَعَلَى مِلَّة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"؛ لما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا وَضَعَ الْمَيِّتَ فِي الْقَبْرِ قَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، وفي رواية "وَعَلَى مِلَّة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، وجاء في رواية أنه قال: "إِذَا وَضَعْتُمْ مَوْتَاكُمْ فِي الْقَبْرِ فَقُولُوا. . ."، وذكره (1).

ثم من السنة بعد الفراغ من دفنه الدعاء له بالمغفرة والتثبيت عند السؤال؛ لما رواه أبو داود وغيره عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ" (2).
_______________________
(1) سنن أبي داود (رقم: 3213)، وسنن الترمذي (رقم: 1046)، وسنن ابن ماجه (رقم: 1550)، وصححه الألباني - رحمه الله - في الإرواء (3/ 197).
(2) سنن أبي داود (رقم: 3221)، وصححه الألباني - رحمه الله - في صحيح الجامع (رقم: 4760).

ولا يشرع قراءة شيء من القرآن في هذا الموضع، ولا أن يلقن الميت حجته كما يفعله بعض الناس؛ إذ لم يثبت بذلك حديث، وإنما المشروع في هذا المقام كما تقدم الاستغفار له وسؤال الله تثبيته.

وأما ما يقال لذويه عند تعزيتهم، فإن المشروع للمسلم أن يعزي أخاه بما يظن أنه يسليه ويذهب حزنه ويعينه على الرضا بالقضاء والصبر على المصيبة مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقوله في هذا المقام إن كان يستحضر شيئاً من ذلك، وإلا يقول ما تيسر له من الكلام الحسن والقول الطيب الذي يحقق المقصود ولا يخالف الشرع.

والمسلم مأجور على تعزيته لإخوانه ووقوفه معهم في محنتهم ومصابهم، ففي الحديث عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إِلَّا كَسَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" رواه ابن ماجه وغيره (1).

ومما ورد في السنة في التعزية ما رواه البخاري ومسلم أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَرْسَلَتْ ابْنَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ فَأْتِنَا فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلَامَ وَيَقُولُ إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلٌّ شيء عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ" (2)، قال النووي رحمه الله: "هذا الحديث أحد ما يعزى به".
_______________________
(1) سنن ابن ماجه (رقم: 1601)، وحسنه الألباني - رحمه الله - في صحيح الترغيب (رقم: 3508).
(2) صحيح البخاري (رقم: 1284)، وصحيح مسلم (رقم: 923).

وفي حديث أَبِي سَلَمَةَ: لَمَّا مَاتَ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ" فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ فَقَالَ: "لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ"، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ افْسَحْ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ" (1). رواه مسلم.

أما ما يُقال عند زيارة القبور، فإن السنة قد جاءت بمشروعية زيارة القبور للاتعاظ وتذكر الآخرة، وللدعاء لأهلها بالرحمة والمغفرة، وقد منع الناس في بدء الأمر من زيارة القبور؛ لقرب عهدهم من الجاهلية وخشية أن يتكلموا بشيء من كلام أهل الجاهلية عندها، فلما استقرت قواعد الإسلام وتمهدت أحكامه واشتهرت معالمه أبيحت لهم الزيارة مع البيان لمقاصدها والتحذير من قول الباطل عند زيارتها.

فعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قََالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا" رواه مسلم وأحمد والنسائي وغيرهم، وزاد أحمد: "إِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْآخِرَةَ"، وزاد النسائي: "فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَزُورَ فَلْيَزُرْ وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا" (2).

والهجر الباطل من اقول، كدعاء المقبورين والاستغاثة بهم من دون الله، أو التوسل بهم أو طلب البركة منهم ونحو ذلك من الباطل والضلال، ولقد جاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم بيان ما يشرع للمسلم أن يقوله عند زيارة القبور، ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ جَلَّ وَعَزَّ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ قَالَتْ: فَكَيْفَ أَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: قُولِي السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ
_______________________
(1) صحيح مسلم (رقم: 920).
(2) صحيح مسلم (رقم :977)، والمسند (5/ 355)، سنن النسائي (4/ 89).

الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَلَاحِقُونَ" (1).

وروى مسلم أيضاً بْنِ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ فَكَانَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ السَّلَامُ عَلَيكُم أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَلَاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ" (2).

قال ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد في كلامه عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور: "كان إذا زار قبور أصحابه يزورها للدعاء لهم، والترحم عليهم، والاستغفار لهم، وهذه هي الزيارة التي سنها لأمته، وشرعها لهم، وأمرهم أن يقولوا إذا زاروها:(السَّلَامُ عَلَيكُم أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَلَاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ)، وكان هديه أن يقول ويفعل عند زيارتها من جنس ما يقوله عند الصلاة على الميت من الدعاء والترحم والاستغفار، فأبى المشركون إلا دعاء الميت والإشراك به، والإقسام على الله به وسؤاله الحوائج والاستعانة به والتوجه إليه، بعكس هديه صلى الله عليه وسلم، فإنه هدي توحيد وإحسان إلى المييت، وهدي هؤلاء شرك وإساءة إلة نفوسهم وإلى الميت، وهم ثلاثة أقسام: إما أن يدعوا الميت، أو يدعوا به أو عنده، ويرون الدعاء عنده أوجب وأولى من الدعاء في المساجد، ومن تأمل هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، تبين له الفرق بين الأمرين، وبالله التوفيق" (3). اهـ كلامه.

وبما تقدم يتضح أن أحوال الناس في زيارة القبور لا تخرج عن أربع حالات:
_______________________
(1) صحيح مسلم (رقم: 974).
(2) صحيح مسلم (رقم: 975).
(3) زاد المعاد (1/ 526- 527).

الأولى: أن يزور القبور ليدعو للأموات، فيسأل الله لهم المغفرة والرحمة، وليعتبر بحال الموتى وا آلوا إليه، فيحدث له ذلك عبرة وذكرى، وهذه هي الزيارة الشرعية.

الثانية: أن يزورها ليدعو لنفسه ولمن أحب عندها معتقداً أن الدعاء في المقابر أو عند قبول الصالحين أفضل وأحرى بالقبول والإجابة، وهذا بدعة منكرة.

الثالثة: أن يزورها ليدعو الله متوسلاً بجاه الموتى أو حقهم، فيقول: أسألك يا ربي بجاه فلان أو بحق فلان، فهذا بدعة محرمة ووسيلة إلى الشرك.

الرابعة: أن يزورها ليدعو المقبورين ويستغيث بهم ويطلب منهم المدد والعون والشفاء وغير ذلك، فهذا شرك أكبر ناقل عن ملة الإسلام.

نسأل الله أن يحفظنا وإياكم، وأن يوفقنا لكل خير، إنه سميع مجيب.

التصنيف ما يُقال عند دفن الميت وبعده، وعند التعزية، وزيارة المقابر
المصدر الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ
عدد المشاهدات 0