التصنيفات

روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ثُمَّ قَالَ: أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ ثَلَاثًا وَبَسَطَ يَدَهُ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَرَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَكَ قَالَ إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي فَقُلْتُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قُلْتُ أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَرَدْتُ أَنْ آخُذَهُ وَاللَّهِ لَوْلَا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ لَأَصْبَحَ مُوثَقًا بِهَا يَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ"

لقد ورد في نصوص الكتاب والسنة أذكار مباركة وأدعية نافعة تطرد الشيطان وتباعده عن العبد المؤمن، ويكون بمواظبته ومحافظته عليها في حصن حصين وحرز مكين يقيه - بإذن الله - من الشيطان الرجيم، فلا يخلص إليه ولا يجد سبيلاً إلى إيذائه أو إغوائه؛ إذا لا سبيل للشيطان على المواظب على ذكر الله، المقبل على طاعة الله، إنما سبيله على الذين يتولونه، وسلطانه على الذين يصغون إلى إغوائه ووساويه ويطيعونه، ولهذا فإن الحري بالمؤمن أن يواظب على ما جاءت به الشريعة من أذكار وأدعية تحمي العبد من الشيطان وتقيه من كيده وشره.

يقول الله تعالى: {وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَٰتِ ٱلشَّيَٰطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} (1)، ويقول تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ ۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ} (2).

والاستعاذة هي طلب العوذ، يقال عُذت به واستعذت به أي: لجأت إليه واستجرت به واعتصمت به، والاستعاذة بالله من الشيطان سؤال لله وطلب منه سبحانه أن يعيد العبد من الشيطان، ويحميه منه ويقيه من شره، ومن استعاذ بالله أعاذه، ومن اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم، وعليه فإن الاستعاذة بالله تطرد الشيطان وتحصن العبد.
_______________________
(1) سورة: المؤمنون، الآيتان (97- 98).
(2) سورة: فصلت، الآية (36).

روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ثُمَّ قَالَ: أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ ثَلَاثًا وَبَسَطَ يَدَهُ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَرَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَكَ قَالَ إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي فَقُلْتُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قُلْتُ أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَرَدْتُ أَنْ آخُذَهُ وَاللَّهِ لَوْلَا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ لَأَصْبَحَ مُوثَقًا بِهَا يَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ" (1).

وروى أيضاً عن عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ الثقفي رضي الله عنه: أَنَّه أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي" (2).

وفي الصحيحين عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ" (3).

فهذه النصوص ظاهرة الدلالة على عظم شأن الاستعاذة، وأنها تطرد الشيطان وتقي العبد منه، ويسلم بها من كيده ووساوسه وشره.
_______________________
(1) صحيح مسلم (رقم: 542).
(2) صحيح مسلم (رقم: 2203).
(3) صحيح البخاري (رقم: 3276)، وصحيح مسلم (رقم: 134).

ومما يطرد الشيطان الأذان، فإن الشيطان إذا سمعه ولى وأدبر، ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ" (1).

وفي صحيح مسلم عن سُهَيْلٍ قَالَ أَرْسَلَنِي أَبِي إِلَى بَنِي حَارِثَةَ قَالَ وَمَعِي غُلَامٌ لَنَا أَوْ صَاحِبٌ لَنَا فَنَادَاهُ مُنَادٍ مِنْ حَائِطٍ بِاسْمِهِ قَالَ وَأَشْرَفَ الَّذِي مَعِي عَلَى الْحَائِطِ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَبِي فَقَالَ لَوْ شَعَرْتُ أَنَّكَ تَلْقَ هَذَا لَمْ أُرْسِلْكَ وَلَكِنْ إِذَا سَمِعْتَ صَوْتًا فَنَادِ بِالصَّلَاةِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ وَلَّى وَلَهُ حُصَاصٌ" (2).
والحصاص أي: الضراط، وقيل شدة العدو.

ومما يقي العبد من الشيطان ويطرده عنه مواظبته على ذكر الله في كل أحواله؛ عند الدخول وعند الخروج وعند الركوب وعند الخروج وعند الركوب وعند النوم وغير ذلك.

يقول الله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَٰٓئِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَٰنِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} (3)، ويقول: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُۥ شَيْطَٰنًا فَهُوَ لَهُۥ قَرِينٌ} (4).
_______________________
(1) صحيح البخاري (رقم: 608)، وصحيح مسلم (رقم: 389).
(2) صحيح مسلم (رقم: 389).
(3) سورة: الأعراف، الآية (201).
(4) سورة: الزخرف، الآية (36)

وفي سنن الترمذي والمسند بإسناد صحيح الْحَارِثَ الْأَشْعَرِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا وَيَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا وَإِنَّهُ كَادَ أَنْ يُبْطِئَ بِهَا فَقَالَ عِيسَى عليه السلام:  إِنَّ اللَّهَ أَمَرَكَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ لِتَعْمَلَ بِهَا وَتَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا، فَإِمَّا أَنْ تَأْمُرَهُمْ وَإِمَّا أَنْ آمُرَهُمْ، فَقَالَ يَحْيَى: أَخْشَى إِنْ سَبَقْتَنِي بِهَا أَنْ يُخْسَفَ بِي أَوْ أُعَذَّبَ فَجَمَعَ النَّاسَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَامْتَلَأَ الْمَسْجِدُ وَتَعَدَّوْا عَلَى الشُّرَفِ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ أَعْمَلَ بِهِنَّ وَآمُرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِنَّ. . ." فذكر أمرهم بالتوحيد والصلاة، والصيام، والصدقة  ثك ذكر الكلمة الخامسة، فقال: "وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ كَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ. . " (1).

وفي صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ أَوْ قَالَ جُنْحُ اللَّيْلِ، فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ الْعِشَاءِ فَخَلُّوهُمْ وَأَغْلِقْ بَابَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ وَأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ وَأَوْكِ سِقَاءَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئًا" (2).
_______________________
(1) سنن الترمذي (رقم: 2863)، ومسند أحمد (4/ 130)، وصححه الألباني - رحمه الله - في صحيح الجامع (رقم: 1724).
(2) صحيح مسلم (رقم: 2012).

فالمسلم إذا كان ذاكراً ربه في كل أحايينه فإنه يسلم من أذى الشيطان ومن أن يحضره، فلا  يخلص إليه لا وسوسة ولا حضوراً للمكان الذي هو فيه، كما تقدم في قوله تعالى: {وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَٰتِ ٱلشَّيَٰطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} (1).

وقد  سبق أن مر معنا أنواع من الأذكار من قالها حفظ من الشيطان، كالتسمية عند دخول المنزل، وعند تناول الطعام، وكقراءة آية الكرسي عندما يأوي المسلم إلى فراشه، فإذا قرأها لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح ومن قال إذا أصبح: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" عشر مرات كان في حرز من الشيطان حتى يمسي، ومن قالها إذا أمسى كان في حرز من الشيطان حتى يصبح، ومن قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه، أي: من كل شر ومن ذلك شر الشيطان، وإذا قال المسلم عند خروجه من منزله: "بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ يُقَالُ لَهُ كُفِيتَ وَوُقِيتَ وَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ" إلى غير ذلك من الأذكار المباركة المأثورة في سنة النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه وعلى آله وأصحابه أجميعن.

_______________________
(1) سورة: المؤمنون، الآيتان (97- 98).

التصنيف الأذكار التي تطرد الشيطان
المصدر الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ
عدد المشاهدات 0