التصنيفات

جاء في المسند للإمام أحمد وصحيح ابن حبان وغيرهما عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ قَالَ أَجَلْ يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ"

إن العبد في هذه الحياة قد يصاب بآلام متنوعة، وقد يرد على قلبه واردات متعددة تؤرق قلبه وتُؤلم نفسه، وتجلب له الكدر والضيق، فإن كان هذا الألم الذي يصيب القلب متعلقاً بأمور ماضية فهو حزن، وإن كان متعلقاً بأمور مستقبلة فهم هم، وإن كان متعلقاً بواقع الإنسان وحاضره فهو غم، وهذه الأمور الثلاثة الحزن والهم والغم إنما تزول عن القلب وتنجلي عن الفؤاد بالعودة الصادقة إلى الله، وتمام الانكسار بين يديه، والتذلل له سبحانه، والخضوع له والاستسلام لأمره والإيمان بقضائه وقدره ومعرفته سبحانه، ومعرفة أسمائه وصفاته، والإيمان بكتابه، والعناية بقراءته وتدبره والعمل بما فيه، فبذلك لا بغيره تزول هذه الأمور، وينشرح الصدر، وتتحقق السعادة.

جاء في المسند للإمام أحمد وصحيح ابن حبان وغيرهما عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ قَالَ أَجَلْ يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ" (1).
_______________________
(1) مسند أحمد  (1/ 391)، وصححه الألباني - رحمه الله - في السلسلة الصحيحة (رقم: 199)، وانظر في شرح هذا الحديث الفوائد لابن القيم (ص: 44).

فهذه كلمات عظيمة ينبغي على المسلم أن يتعلمها، وأن يحرص على قولها عندما يصاب بالحزن أو الهم أو الغم، وليعلم كذلك أن هؤلاء الكلمات إنما تكون نافعة له إذا فهم مدلولها وحقق مقصودها وعمل بما دلت عليه، أما الإتيان بالأدعية المأثورة والأذكار المشروعية دون فهم لمعانيها ودون تحقيق لمقاصدها فإن هذا قليل التأثير عديم الفائدة.

وإذا تأملنا هذا الدعاء نجد أنه يتضمن أربعة أصول عظيمة، لا سبيل للعبد إلى نيل السعادة وزوال الهم والغم والحزن إلا بالإتيان بها وتحقيقها.

أما الأصل الأول: فهو تحقيق العبادة لله وتمام الانكسار بين يديه، والخضوع له واعترافه بأنه مخلوق لله مملوك له هو وآباؤه وأمهاته، ابتداء من أبويه القريبين وانتهاء إلى آدم وحواء، ولهذا قال: "اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ" فالكل مماليك لله، وهو خالقهم وربهم وسيدهم ومدبر شؤونهم، الذي لا غنى لهم عنه طرفة عين، وليس لهم من يعوذون به ويلوذون به سواه، ومن تحقيق ذلك التزام الغبد عبوديته سبحانه من الذل والخضوع والانكسار والإنابة وامتثال الأوامر واجتناب التواهي ودوام الافتقار إليه واللجأ إليه والاستعانة به والتوكل عليه والاستعاذة به، وأن لا يتعلق القلب بغيره محبة وخوفاً ورجاء.

وأما الأصل الثاني: فهو أن يؤمن العبد بقضاء الله وقدره، وأن ما شاء الله كان، وأنه سبحانه لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه {مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍۢ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُۥ مِنۢ بَعْدِهِۦ ۚ} (1)، 
_______________________
(1) سورة: فاطر، الآية (2).

ولهذا قال في هذا الدعاء "نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ"، فناصية العبد وهي مقدمة رأسه بيد الله، يتصرف فيه كيف يشاء ويحكم فيه بما يريد، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، فحياة العبد وموته وسعادته وشقاوته وعافيته وبلاؤه، كل ذلك إليه سبحانه ليس إلى العبد منه شيء، وإذا آمن العبد بأن ناصيته ونواصي العباد كلها بيد الله وحده يصرفهم كيف شاء، لم يخف بعد ذلك منهم ولم يرجهم ولم ينزلهم منزلة المالكين، ولم يعلق أمله ورجاءه بهم، وحينئذ يستقيم له توحيده وتوكله وعبويته، ولهذا قال هود عليه السلام لقومه: {إِنِّى تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّى وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذٌۢ بِنَاصِيَتِهَآ ۚ إِنَّ رَبِّى عَلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ} (1).

وقوله: "مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ" يتناول الحكمين: الحكم الديني الشرعي، والحكم القدري الكوني، فكلاهما ماضيان في العبد شاء أم أبي، لكن الحكم الكوني القدري لا يمكن مخالفته، وأما الحكم الديني الشرعي فقد يخالفه العبد، ويكون متعرضاً للعقوبة بحسب ما وقع فيه من مخالفة.

وقوله: "عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ" يتناول جميع أقضيته سبحانه في عبده من كل الوجوه، من صحة وسقم، وغنى وفقر، ولذة وألم، وحياة وموت، وعقوبة وتجاوز وغير ذلك، فكل ما يقضي على العبد فهو عدل فيه {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّٰمٍۢ لِّلْعَبِيدِ} (2).
_______________________
(1) سورة: هود، الآية (56).
(2) سورة: فصلت، الآية (46).

والأصل الثالث: أن يؤمن العبد بأسماء الله الحسنى وصفاته العظيمة الواردة في الكتاب والسنة، ويتوسل إلى الله بها، كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِىٓ أَسْمَٰٓئِهِۦ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1)، وقال تعالى: {قُلِ ٱدْعُوا ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُوا ٱلرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ ۚ} (2)، والعبد كلما كان عظيم المعرفة بالله وأسمائه وصفاته زادت خشيته له، وعظمت مراقبته له، وازداد بعدا عن معصيته والوقوع فيما يسخطه، كما قال بعض السلف: "من كان بالله أعرف كان منه أخوف"، ولهذا فأن أعظم ما يطرد الهم والحزن والغم وأن يعرف العبد ربه، وأن يعمر قلبه بمعرفته سبحانه، وأن يتوسل إليه بأسمائه وصفاته، ولهذا قال: "أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ"، فهذا توسل إلى الله بأسمائه كلها ما علم العبد منها وما لم يعلم، وهذا أحب الوسائل إلى الله سبحانه.

والأصل الرابع: هو العناية بالقرآن الكريم، كلام الله عز وجل الذي لا يأتيه الباكل من بين يديه ولا من خلفه، المشتمل على الهداية والشفاء والكفاية والعافية، والعبد كلما كان عظيم العناية بالقرآن تلاوة وحفطأً ومذاكرة وتدبراً، وعملاً وتطيبقاً نال من السعادة والطمأنينة وراحة الصدر وزوال الهم والغم والحزن بحسب ذلك، ولهذا قال في هذا الدعاء: "أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي".

فهذه أربعة أصول عظيمة مستفادة من هذا الدعاء المبارك، ينبغي علينا ان نتأملها ونسعى في تحقيقها؛ لننال هذا الموعود الكريم والفضل العظيم وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا" وفي رواية "فرجا"، ومن الله وحده نطلب العون والتوفيق.
_______________________
(1) سورة: الأعراف، الآية (180).
(2) سورة: الإسراء، الآية (110).

التصنيف دعاء الغم والهم والحزن
المصدر الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ
عدد المشاهدات 0