التصنيفات

أَصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ وَعَلَى كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ وَعَلَى دِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى مِلَّةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ

إن من الأذكار العظيمة التي كان يقولها النبي صلى الله عليه وسلم كل صباح، ما رواه الإمام أحمد عن عبدالرحمن بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَصْبَحَ قَالَ: "أَصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ وَعَلَى كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ وَعَلَى دِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى مِلَّةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ" (1).
 
وما أجمل أن يفتتح المسلم يومه بهذه الكلمات العظيمة، المشتملة على تجديد الإيمان، وإعلان التوحيد، وتأكيد الالتزام بدين محمد صلى الله عليه وسلم، والاتباع لملة إبراهيم الخليل عليه السلام، الحنيفية السمحة، والبعد عن الشرك كله صغيره وكبيره.
 
فهي كلمات إيمان وتوحيد، وصدق وإخلاص، وخضوع وإذعان ومتابعة وانقياد، جدير يمن يحافظ عليها أن يتأمل في دلالاتها العظيمة ومعانيها الجليلة.
 
وقوله: "أَصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ" أي: من الله علينا بالإصباح ونحن على فطرة الإسلام مستمسكين بها، محافظين عليها، غير مغيرين ولا مبدلين.
_______________________
(1)  مسند أحمد (3/ 407)، وصححه الألباني - رحمه الله - في صحيح الجامع (رقم: 4674).
 

 
وقوله: "فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ" أي: دين الإسلام الذي فطر الله الناس عليه، وذلك بأن يقيم المرء وجهه لدين الله حنيفاً، بالتوجه بالقلب والقصد والبدن إلى الالتزام بشرائع الدين الظاهرة والباطنة، كما قال الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (1).
 
قال ابن كثير - رحمه الله - في معنى الآية: "يقول تعالى فسدد وجهك واستمر على الدين الذي شرعه الله لك من الحنيفية ملة إبراهيم الذي هداك الله لها وكملها لك غاية الكمال، وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة التي فطر الخلق عليها، فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده، وأنه لا إله غيره" (2) ا هـ كلامه رحمه الله.
 
فهذا الأصل في جميع الناس، ومن خرج عن هذا الأصل فلعارض عرض لفطرته فأفسدها، كما في حديث عياض الْمُجَاشِعِيِّ عَنْ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يرويه عن ربه أَنَّه قَالَ:: "إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا" رواه مسلم في صحيحه (3).
 
وفي الصحيحين من حديث أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ" (4).
 
ولا شك أن نعمة الله على عبده عظيمة أن يصبح حين يصبح وهو على فطرة سليمة لم يصبها تلوث أو تغير أو انحراف.
_______________________
(1)  سورة: الروم، الآية (30).
(2)  تفسير ابن كثير (6/ 320).
(3)  صحيح مسلم (رقم: 2865).
(4)  صحيح البخاري (رقم: 1359)، وصحيح مسلم (رقم: 2658).
 

 
وقوله: "وَكَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ" أي: وأصبحنا على كلمة الإخلاص، وهي كلمة التوحيد لا إله إلا الله، تلكم الكلمة العظيمة الجليلة التي هي أفضل الكلمات العظيمة وأجلها على الإطلاق، بل هي رأس الدين وأساسه ورأس أمره، لأجلها خلقت الخليقة، وأرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، وبها افترق الناس إلى مؤمنين وكفار، وهي زبدة دعوة المرسلين وخلاصة رسالاتهم، وهي أعظم نعم الله على عباده، وفي  هذا قول سفيان بن عيينة رحمه الله: "ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله" (1).
 
وكلمة لا إله إلا الله هي كلمة إخلاص وتوحيد، ونبذ للشرك، وبراءة منه ومن أهله، قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِۦٓ إِنَّنِى بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا ٱلَّذِى فَطَرَنِى فَإِنَّهُۥ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةًۢ بَاقِيَةً فِى عَقِبِهِۦ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (2).
 
وإذا أصبح العبد وهو على هذه الكلمة العظيمة لم يغير ولم يبدل فقد أصبح على خير حال، ولعظم شأن بدء اليوم بهذه الكلمة العظيمة جاء الحث على الإكثار من قولها مرات عديدة كل صباح، وقد سبق ذكر أجر من قالها حين يصبح عشر مارات، وأجر من قالها حين يصبح مائة مرة.
 
وقوله: "وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم" أي: وأصبحنا على ذلكم الدين العظيم الذي رضيه الله لعباده ديناً وبعث به نبيه الكريم محمداً صلى الله عليه وسلم، وقال فيه سبحانه: {ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلْإِسْلَٰمَ دِينًا ۚ} (3)، وقال سبحانه: {إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلْإِسْلَٰمُ ۗ} (4)،
_______________________
(1)  ذكره ابن رجب في كلمة الإخلاص (ص: 53).
(2)  سورة: الزخرف، الآية (26- 28).
(3)  سورة: المائدة، الآية (3).
(4)  سورة: آل عمران، الآية (19).

 
وقال سبحانه: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلْإِسْلَٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلْأَخِرَةِ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ} (1).
 
فهذا هو دين النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله، وإن نعمة الله جل وعلا على عبده عظيمة أن يصبح على هذا الدين العظيم والصراط المستقيم صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ.
 
يقول الله تعالى مذكراً عباده الذين حباهم بهذه النعمة ومنَّ عليهم بها: {وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلْإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ ۚ أُولَٰٓئِكَ هُمُ ٱلرَّٰشِدُونَ} (2)، ويقول تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُۥ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّى مَن يَشَآءُ ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (3).
 
فلله ما أعظمها من منة وما أجلها من نعمة.
 
وقوله: "وَعَلَى مِلَّةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ" أي: وأصبحت على هذه الملة المباركة ملة إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام، وهي الحنيفية السمحة والتمسك بالإسلام والبعد عن الشرك، ولهذا قال: "حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ" وهي ملة مباركة لا يتركها ولا يرغب  عنها إلا من حكم على نفسه بالغي والسفه، ولهذا قال تعالى: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَٰهِۦمَ إِلَّا مَن سَفِهَ   نَفْسَهُۥ ۚ} (4).
_______________________
(1)  سورة: آل عمران، الآية (85).
(2)  سورة: الحجرات، الآية (7).
(3)  سورة: النور، الآية (21).
(4)  سورة: البقرة، الآية (130).

 
وقد أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم باتباع هذه الملة وهداه إليها، كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّنِى هَدَٰنِى رَبِّىٓ إِلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفًا ۚ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ} (1)، وقال تعالى ممتناً على عباده بهذه النعمة: {وَجَٰهِدُوا فِى ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۦ ۚ هُوَ ٱجْتَبَىٰكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍۢ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَٰهِيمَ ۚ } (2).
 
وإذا أصبح العبد وهو على هذه الملة المباركة الحنيفية السمحة فقد أصبح على خير عظيم وفضل عميم.
 
فكم هو جميل وعظيم أن يفتتح المسلم يومه بهذه الكلمات المباركة، ويوم يفتتح بكلمات هذا شأنها من قلب صادق أكرم به من يوم.
 
_______________________
(1)  سورة: الأنعام، الآية (161).
(2)  سورة: الحج، الآية (78).

التصنيف أذكار الصباح
المصدر الدَّعَوَاتُ وَالْأَذْكَارْ اَلمَأثُورَةُ عَنِ النَّبِيَّ المُخْتَار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَومِ وَاللَّيْلَةِ
عدد المشاهدات 0